عليهالسلام : أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال : فقلت : نعم. قال : فأذن لها ، قال : وأجلسني معه على الطنفسة (١) ، قال : ثمّ دخلت فتكلمتْ فإذا امرأة بليغة ، فسألتْه عنهما ، فقال لها : تولّيهما؟ قالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنك أمرتني بولايتهما؟ قال : نعم. قالت : فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما ، وكثير النوا يأمرني بولايتهما ، فأيهما خير وأحب إليك؟ قال : هذا والله أحب إليَّ من كثير النوا وأصحابه ، إن هذا يخاصم فيقول : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.)
قلت : إن قوله : (هذا والله أحب إليَّ من كثير النوا وأصحابه) ، دال بأتم دلالة على أن براءة أبي بصير منهما لم تحط من قدره ، وولاية كثير النوا وأصحابه لهما لم تعْل من شأنهم عند الإمام عليهالسلام ، ولو كانا إمامَيْ هدى لكانت البراءة منهما قادحة ، ولكان مَن يتولاهما خيراً ممن يتبرّأ منهما ويدعو الناس إلى ذلك.
وتقرير الإمام عليهالسلام لاستدلال أبي بصير بالآيات الثلاث مشعر باعتقاد الإمام عليهالسلام أن أبا بكر وعمر لم يحكما بما أنزل الله ، فهما إما كافران أو ظالمان أو فاسقان ، وهو استدلال واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح ، ولكن الإمام سلام الله عليه لم يستطع التصريح بذلك لهذه المرأة ، فاكتفى بالإشارة عن صريح العبارة.
وأما قول الكاتب : (إن أم خالد من الشيعة فكيف يتَّقي منها الإمام) ، فهو عجيب من مدَّعي الفقاهة والاجتهاد ، إذ كيف لا يعرف أن الإمام عليهالسلام قد يتّقي من بعض شيعته خشية أن ينقلوا عنه كلامه لسلاطين الجور وأعوانهم مختارين أو مكرهين ، ولهذا قال الإمام عليهالسلام في رواية الكشي : فلما خرجَتْ قال : إني خشيتُ أن تذهب فتخبر كثير النوا ، فتشهرني بالكوفة ، اللهم إني إليك من كثير النوا بريء في الدنيا والآخرة (٢).
__________________
(١) هي البساط الذي له خمل رقيق.
(٢) رجال الكشي ٢ / ٥١١. ونقله عنه في بحار الأنوار ٣٠ / ٢٤٢.