المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم ، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل ، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور ، فليس في القصة إلا قوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ، وليس بظاهر فيما تجرَّءوا عليه ، وقوله في امرأة نوح : (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) ، التحريم : ١٠ ، وليس إلا ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين ، تواليان أعداء زوجيهما ، وتسران إليهم بأسرارهما ، وتستنجدانهم عليهما (١).
وقال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان في تفسير قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) :
قال ابن عباس : (كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس : إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط) ، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به ، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً ، وليس ذلك قولاً لمحصِّل (٢).
* * *
قال الكاتب : وإني أتساءل : إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فَلِمَ بايعهم أمير المؤمنين رضي الله عنه؟ ولم صار وزيراً لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم؟ أكان يخافهم؟ معاذ الله.
وأقول : بغض النظر عن الأخبار الضعيفة التي ذكرها الكاتب ، فإنه لم يثبت أن أمير المؤمنين عليهالسلام قد بايع القوم بطيب نفسه وباختياره وقناعته ، بل جاء في صحيح البخاري ومسلم أن أمير المؤمنين عليهالسلام قد امتنع عن مبايعة أبي بكر ستة أشهر.
ففي حديث طويل أخرجاه في الصحيحين بسندهما عن عائشة قالت : إن
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن ١٠ / ٢٣٥.
(٢) التبيان في تفسير القرآن ١٠ / ٥٢.