وأقول : كلمات الإمام الحسين عليهالسلام المذكورة إنما قالها لأولئك القوم المجتمعين على قتله في كربلاء ، وهم أخلاط من الناس استنفرهم عبيد الله بن زياد لقتل الحسين عليهالسلام ، ولم يكونوا من الشيعة ، بل ليس فيهم شيعي واحد معروف ، فكيف يصح أن يقال : إن قتلة الحسين كانوا من الشيعة؟
ويمكن إيضاح هذه المسألة بعدة أمور :
أولاً : أن القول بأن الشيعة قتلوا الحسين عليهالسلام فيه تناقض واضح ، وذلك لأن شيعة الرجل هم أنصاره وأتباعه ومحبّوه ، وأما قتلته فليسوا كذلك ، فكيف تجتمع فيهم المحبة والنصرة له مع حربه وقتله؟!
ولو سلَّمنا جدلاً بأن قتلة الحسين كانوا من الشيعة ، فإنهم لما اجتمعوا لقتاله فقد انسلخوا عن تشيعهم ، فصاروا من غيرهم ، ثمّ قتلوه.
وثانياً : أن الذين خرجوا لقتال الحسين عليهالسلام كانوا من أهل الكوفة ، والكوفة في ذلك الوقت لم يكن يسكنها شيعي معروف بتشيعه ، فإن معاوية لما ولَّى زياد بن أبيه على الكوفة تعقَّب الشيعة وكان بهم عارفاً ، فقتلهم وهدم دورهم وحبسهم حتى لم يبق بالكوفة رجل واحد معروف بأنه من شيعة علي عليهالسلام.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي : روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة : (أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليّا ويبرءون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليهالسلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة ، وضم إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام علي عليهالسلام ، فقتلهم تحت كل حَجَر ومَدَر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم