اقتادوا أمير المؤمنين رضي الله عنه والحبل في عنقه وهم يجرونه جراً حتى انتهى به إلى أبي بكر ، ثمّ نادى بقوله : ابن أُم ، إن القوم استضعفوني وكادوا يَقْتُلونَنِي!!
ونحن نسأل يا ترى أكان أمير المؤمنين جباناً إلى هذا الحد؟
وأقول : وهل عدم محاربة القوم ، والصبر على ما صدر منهم من أذى يُعَدُّ ضعفاً وجُبناً؟! أو يعتبر تعقُّلاً وحكمة.
لقد كان الحال يدور بين أمرين : إما أن يحاربهم أمير المؤمنين عليهالسلام ، فيفنيهم ويستأصل شأفتهم ، أو يترك محاربتهم ويصبر على ما يترتب على ذلك من تبعات.
وبما أنه عليهالسلام كان يعلم ما سيترتب على الحرب من ذهاب الإسلام وضياع أحكامه ، فإن الحكمة كانت تقتضي ترك منابذتهم ، والتسليم لهم ، فإن ذلك أخف الضررين ، ولهذا قال عليهالسلام في خطبته الشقشقية : (فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرتُ وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهباً).
ومما قلناه يتبيَّن أن ما وقع من جرِّ أمير المؤمنين عليهالسلام بحمائل سيفه لم يكن عن جبن منه عليهالسلام ، ولا عن خوف أو ضعف عن منازلة القوم كما ذكره الكاتب في كلامه.
هذا مع أن هجوم القوم على بيت فاطمة عليهاالسلام وكشفه قد اعترف به أبو بكر عند وفاته كما جاء في بعض الأخبار ونص عليه بعض المؤرخين.
فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر قال في مرضه الذي توفي فيه : أما إني لا آسي على شيء إلا على ثلاث فعلتهن وددتُ أني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددتُ أني فعلتهن ، وثلاث وددتُ أني سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهن ، فأما الثلاث التي وددت أني لم أفعلهن ، فوددتُ أني لم أكن كشفتُ بيت فاطمة ، وتركتُه وإن أغلق عليَّ الحرب ... الحديث (١).
__________________
(١) المعجم الكبير للطبراني ١ / ٦٢. مجمع الزوائد ٥ / ٢٠٢. الأحاديث المختارة ١ / ٨٨ وقال الضياء المقدسي : وهذا حديث حسن عن أبي بكر ، إلا أنه ليس فيه شيء من قول النبي صلىاللهعليهوسلم. كنز العمال ٥ / ٦٣١ وقال : إنه حديث حسن ، إلا أنه ليس فيه شيء عن النبي صلىاللهعليهوسلم. تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٤١٨ ـ ٤٢٣. تاريخ الطبري ٢ / ٦١٩. الإمامة والسياسة ، ص ١٨. مروج الذهب ٢ / ٣٠١.