ثمّ إن أهل السنة رووا من الطعن في عقيل ما هو أكثر من ذلك ، فقد أخرج ابن عبد البر في (الاستيعاب) حديثاً عن ابن عباس جاء فيه قوله : كان عقيل أكثرهم ذِكْراً لمثالب قريش ، فعادوه لذلك ، وقالوا فيه بالباطل ، ونسبوه إلى الحمق ، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة ، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه عليّ ، وخروجه إلى معاوية ، وإقامته معه ، ويزعمون أن معاوية قال يوماً بحضرته : هذا لو لا علمه بأني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه. فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنت خير لي في دنياي ، وقد آثرتُ دنياي ، وأسأل الله تعالى خاتمة الخير (١).
ولا ريب في أن إقراره بأنه آثر دنياه على آخرته أشد في الطعن فيه من وصفه بأنه ضعيف أو ذليل أو حديث عهد بالإسلام.
* * *
قال الكاتب : وأما الإمام زين العابدين علي بن الحسين فقد روى الكليني : أن يزيد بن معاوية سأله أن يكون عبداً له ، فرضي رضي الله عنه أن يكون عبداً ليزيد إذ قال له : (قد أقررتُ لك بما سألتَ ، أنا عبدٌ مُكْرَهٌ فإن شِئتَ فَأمْسِكْ وإن شِئتَ فَبعْ) الروضة من الكافي في ٨ / ٢٣٥.
فانظر قوله وانظر معناه : (قد أقررتُ بأني عبد لك ، وأنا عبد مكره ، فإن شئت فابقني عبداً لك وإن شئت أن تبيعني فَبِعني) فهل يكون الإمام رضي الله عنه عبداً ليزيد يبيعه متى شاء ، وَيُبقي عليه متى شاء؟
وأقول : نص الحديث بكامله كما رواه الكليني هو : ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج ، فبعث إلى رجل من قريش ، فأتاه فقال له يزيد : أتُقِرُّ لي أنك
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ١٠٧٩. سير أعلام النبلاء ٣ / ١٠٠.