(صُمٌّ ذَوو أسماع ، وبُكْمٌ ذَوو كلام ، وعُمْي ذوو أبصار ، لا أحرارَ وصِدْقَ (١) عند اللقاء ، ولا إِخوانَ ثقَةٍ عند البلاء .. قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراجَ المرأة عن قُبُلِها) نهج البلاغة ص ١٤٢.
قال لهم ذلك بسبب تَخَاذُلِهِم وغَدرِهم بأمير المؤمنين رضي الله عنه ، وله فيهم كلام كثير.
وأقول : هذه الكلمات وأمثالها إنما صدرت من أمير المؤمنين عليهالسلام في مقام ذم من كان معه في الكوفة ، وهم الناس الذين كان يحارب بهم معاوية ، وهم أخلاط مختلفة من المسلمين ، وأكثرهم من سواد الناس ، لا من ذوي السابقة والمكانة في الإسلام.
ولم يكن عليهالسلام يخاطب خصوص شيعته وأتباعه ، ليتوجَّه الذم إليهم كما أراد الكاتب أن يصوِّر لقارئه أن من كان مع أمير المؤمنين عليهالسلام في حروبه الثلاثة إنما هم شيعته.
ولو سلَّمنا بما قاله الكاتب فإن أهل السنة حينئذ أولى بالذم من الشيعة ، وذلك لأنّا إذا فرضنا أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان يخاطب خصوص شيعته في الكوفة ، وكان يذمّهم على تقاعسهم في قتال معاوية ، فلنا أن نسأل :
إذا لم يكن أهل السنة مع أمير المؤمنين عليهالسلام في قتال معاوية ، فأين كانوا حينئذ؟
وحالهم لا يخلو من ثلاثة أمور :
إما أن يكونوا مع أمير المؤمنين عليهالسلام في الكوفة ، فيكون الذم شاملاً لهم كما شمل غيرهم.
وإما أن يكونوا مع معاوية وفئته الباغية ، وحال هؤلاء أسوأ من حال أصحابه الذين ذمَّهم.
__________________
(١) في نهج البلاغة : لا أحرارَ صِدْقٍ.