من المكاره من تلحقه ، فيكون المراد بالفداء التعظيم والإكبار ، لأن الإنسان لا يُفدِّي إلا من يُعَظِّمه ، فيبذل نفسه له (١).
وأما كون الحمار يحدِّث بذلك عن جده الرابع مع أن بين نوح ونبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم آلاف السنين ، فلا محذور فيه إن كان بنحو الإعجاز ، فكما طالت أعمار كثير من البشر ، فما المانع في إطالة أعمار بعض البهائم؟
ثمّ إن ما يشبه هذا الحديث موجود في كتب أهل السنة ، فقد ذكر ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) في معجزات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يلي :
عن أبي منظور قال : لما فتح الله على نبيه صلىاللهعليهوسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال ، وأربعة أزواج خفاف ، وعشر أواق ذهب وفضة ، وحمار أسود ومكتل ، قال : فكلَّم النبي صلىاللهعليهوسلم الحمار فكلَّمه الحمار ، فقال له : ما اسمك؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً ، كلهم لم يركبهم إلا نبي ، لم يبق من نسل جدي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك ، وقد كنتُ أتوقعك أن تركبني ، قد كنت قبلك لرجل يهودي ، وكنت أعثر به عمداً ، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : سمَّيتك يعفور ، يا يعفور. قال : لبيك. قال : تشتهي الإناث؟ قال : لا. فكان النبي يركبه لحاجته ، فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل ، فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما قُبض النبي صلىاللهعليهوسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن النبهان ، فتردَّى فيها فصارت قبره ، جزعاً منه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وهذا الحديث فيه ملاحظات كثيرة لا نرى أهمية في بيانها.
وأحاديث تكلم البهائم مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتب أهل السنة كثيرة ، واستيفاؤها يستلزم الإطالة ، ولكن لا بأس بنقل بعضها للقارئ العزيز :
__________________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٤٢٢.
(٢) البداية والنهاية ٦ / ١٥٨. شمائل الرسول ، ص ٣٥٤. الخصائص الكبرى ٢ / ٦٤.