فيها لعدله في رعيته ، وهذا غير ممتنع على الله ، وليس قبيحاً منه سبحانه ، لما فيه من الترغيب في العدل والترهيب من الظلم.
ولا يخفى أن غرض الكاتب من إيراد هذا الحديث هو إيهام القرَّاء بأن الشيعة لديهم نزعات فارسية تدعوهم إلى تقديس كسرى والفرس ، مع أن الحديث المشار إليه ـ مضافاً إلى ضعف سنده ـ فيه تصريح بدخول كسرى أنوشيروان النار ، وبيان أن تحريم النار عليه خاصة إنما هو بسبب عدله لا فارسيته ، ولهذا جاءت الأخبار في ذم غيره من ملوك الفرس ، ومنهم كسرى المعاصر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقد روى الشيخ الطوسي رحمهالله في المبسوط أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كتب إلى القياصرة والأكاسرة ، كتب إلى قيصر ملك الروم : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد ابن عبد الله إلى عظيم الروم ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) الآية. فلما وصل الكتاب إليه قام قائماً ، ووضعه على رأسه ، واستدعى مسكاً فوضعه فيه ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك ، فقال : اللهم ثبِّتْ ملكه. وكتب إلى ملك الفرس كتاباً : (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كسرى ابن هرمز أن أسلموا تسلموا ، والسلام) ، فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزَّقه ، وبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : تَمَزَّق ملكه (١).
وروى الراوندي في الخرائج والجرائح أنه لما بُعث محمد صلىاللهعليهوآله بالنبوة بعث كسرى رسولاً إلى باذان عامله في أرض المغرب : بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي ، فلتقل له : فليكفف عن ذلك ، أو لأبعثنَّ إليه من يقتله ويقتل قومه. فبعث باذان إلى النبي صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال : (لو كان شيء قلته مِن قِبَلي لكففت عنه ، ولكن الله بعثني). وترك رُسُل باذان وهم خمسة عشر نفراً لا يكلمهم خمسة عشر يوماً ، ثمّ دعاهم ، فقال : اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له : إن ربي قتل ربّه الليلة ، إن ربي قتل كسرى الليلة ، ولا كسرى بعد اليوم ، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم. فكتبوا قوله
__________________
(١) المبسوط ٨ / ١٢٢.