الصدر وضده الضجر ، وفي الكلام كتمانا وضده الإذاعة والإفشاء ، وإن كان الصبر عن المفطرات سمي صوما وضده الإفطار ، وعن شهوة البطن والفرج سمي عفة وضده التهتك ، وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر ، وإن كان عن حطام الدنيا سمي زهدا وضده الحرص ، وفي المأكل والمشرب سمي قناعة وضده الشره ، وقد سمّى الله تعالى كل ذلك صبرا ، وأشار إليه سبحانه في قوله : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٧].
والصبر لا يتحقق إلّا مع عقد القلب عليه والعزيمة على الاستمرار عليه ، وإلّا فإن صرف وجود الشيء لا أثر له ، وإنما الأثر يترتب على البقاء وهو يحصل بالصبر والمصابرة والاستقامة على تحمل المكاره ولذلك كان الصبر من عزائم الأمور فقال تعالى : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [سورة لقمان ، الآية : ١٧] وعن علي (عليهالسلام): «ألق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر ، عوّد نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر».
ثم إنّ الصبر تارة : يكون بتوفيق من الله وللتقرب اليه ، وفي مرضاته كصبر الأنبياء والمرسلين ولا سيما سيدهم (صلىاللهعليهوآله) ، وهذه أعلى درجات الصبر ، ويترتب عليه الثواب العظيم المعد للصابرين ، وأخرى : يكون بتوفيقه تعالى ، وليس لله تعالى. بل لأجل أغراض صحيحة أخرى ، وثالثة : لا يكون بتوفيقه أيضا وإن كان لأجل أغراض صحيحة أخرى والغفلة عنه عزوجل ، والثواب يتحقق في الجميع لأن الصبر بنفسه محبوب له تعالى.
وربما يكون اختلاف الثواب والجزاء عليه في القرآن الكريم لأجل اختلاف درجات الصبر ، فهو تعالى يخبر تارة : بأنه : (يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٦] ، ومحبته تعالى لشيء من أعلى المقامات وأجلها ، وأنه مع الصابرين ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٤٦] ، وأنه بشر الصابرين ، فقال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)