الأنعام ، الآية : ١٢٧] ، وقال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء ، الآية : ٨٩]. واستعمالات هذه المادة كثيرة بهيئات مختلفة ، ومنها الإسلام لخلوصها ، وتخليصه للمعتقد به عن المعايب والنواقص المعنوية.
والمراد بأسلم في المقام التوجه والخضوع ، والصدق والتخليص كما قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في معنى الخلوص : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
والوجه مستقبل كل شيء وأشرفه ، وطريق الوصول إليه ، ويطلق على الذات أيضا. والمراد هنا عمل الجوانح ، وأعمال الجوارح ، فيكون المعنى من أخلص دينه لله تعالى اعتقادا وعملا وهو محسن في عمله ، فيكون المناط كله في السعادة الأبدية هو الإيمان والعمل ، وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم في مواضع متعددة بعبارات مختلفة نفيا واثباتا ونظير هذه الآية المباركة قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٥].
قوله تعالى : (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). هذا من قبيل ترتب المعلول على العلة ، فإن من أخلص وجهه لله اعتقادا وعملا وأحسن في عمله له أجره ولا خوف عليهم من المتوقع ، ولا يحزنون على الواقع ، وذلك من قبيل السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع. وفي قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِ) دلالة على أن الأجر محفوظ عن التغيير والتبديل ، كقوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [سورة النحل ، الآية : ٩٦] ، مضافا إلى الأدلة العقلية الدالة على ذلك.
ثم إنّ إسلام الوجه لله عزوجل بالتوجه اليه ، وسلوك طرق مرضاته والخضوع والانقياد له تعالى ، والإقبال عليه ، وصرف النظر عن غيره والمواظبة على الإخلاص يجعل الفاعل في المحل الأعلى من الكمالات المعنوية ، ويجلو جوهر النفس عن الرين والفساد ، ويمنع عن استيلاء الأغيار عليها ، فيفتح له باب إلى الغيب المحجوب فيرى ما في نفسه من