وفي الروضة بإسناده عن الصادق عليهالسلام في رسالته إلى أصحابه قال : «وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء حرّم الله عليكم ، فإنّ من انتهك ما حرّم الله عليه هاهنا في الدنيا ، حال الله بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنّة أبد الآبدين ـ الى أن قال ـ : وإيّاكم والإصرار على شيء ممّا حرّم الله في القرآن ظهره وبطنه ، وقد قال : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)».
أقول : شره كفرح ، وهو الطلب مع الحرص أو بدونه ، والمراد من الرواية ما حرّمه القرآن بظاهره ـ كما تقدّم ـ أو بباطنه ، أي : بواسطة السنّة الشريفة.
بحث أخلاقي
ذكرنا أنّ الآية الشريفة تدلّ على تقسيم المعاصي إلى كبائر وصغائر ، ويدلّ عليه قوله تعالى أيضا في آية اخرى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [سورة النجم ، الآية : ٣٢] ، وتدلّ عليه السنّة الشريفة ، كما تقدّم في البحث الروائي.
والكبيرة والصغيرة من الأمور الإضافيّة النسبيّة ، وهما يختلفان شدّة وضعفا ، فما من ذنب إلا وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه ، وصغير بالنسبة إلى ما فوقه ، والجميع كبائر بالنسبة إلى مخالفة مولى الموالي ، وهتك حجاب العبودية والتعدّي في سلطانه عزوجل. وقد اختلف العلماء في تعريف الكبيرة اختلافا عظيما.
فقيل : إنّ كلّ ما نهى عنه عزوجل فهو كبيرة ، وينسب هذا القول إلى ابن عباس ، ولكن ذكرنا آنفا أن كون الذنوب كلّها كبائر بما هو القياس إلى حال الإنسان مع خالقه ومولاه الذي يجب إطاعته في جميع الحالات ، لا بلحاظ بعضها الى بعض.