ومادة نشز تدلّ على الارتفاع ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) [سورة المجادلة ، الآية ١١] ، أي : ارتفعوا وانهضوا إلى الجهاد والحرب ، أو أمر من أمور الدين ، وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في أربعة موارد ، وفي وصف خاتم النبوّة : «بضعة ناشزة» ، أي : قطعة لحم مرتفعة عن الجسم ، وفي حديث نشر الحرمة بالرضاع : «لا رضاع إلا ما نشز العظم» ، أي : رفعه وأعلاه.
والمراد به في المقام ارتفاع الزوجة بخروجها عن طاعة زوجها طغيانا ، وعصيانها عليه وتباعدها عنه تمرّدا. ولا إشكال في أنّ ذلك لا يتحقّق دفعة واحدة ، بل بالتدرج ابتداء من القول والفعل والأخلاق حتّى تصل إلى مرتبة شديدة منذرة بالنشوز الوخيم والطغيان في الخروج عن الاستقامة والموافقة ، فيكون ابتداء ذلك هو مقام الخوف الذي هو ظهور علامات النشوز ، وقد شرّع الله تعالى في الاستصلاح أحكاما خاصّة تتناسب مع تلك الدرجات ، فابتدأ بالموعظة ، وهي اولى درجات الإصلاح ، وهي واضحة لا تحتاج إلى بيان ، فتشمل كلّ ما يرجى تأثيره فيها ، ولذا أطلق عزوجل كلّ ما له قابلية التأثير من أنحاء المواعظ ، كالترغيب في الثواب والترهيب عمّا يترتّب على المخالفة ، وبيان وبال النشوز وسوء عاقبة المخالفة ، ولا يختصّ الوعظ بلفظ معين ، وما ورد في بعض الروايات إنّما هو من باب ذكر أحد المصاديق.
قوله تعالى : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)
ضرب آخر من ضروب التأديب ، بعد تحقّق مرتبة اخرى ، من مراتب النشوز غير المرتبة الاولى التي لم تؤثّر فيها الموعظة ، فلا بد من إجراء فعل آخر أبلغ في التأثير من الأول ، وهو الهجران في المضاجع مع حفظ المضاجعة بما يؤثّر في دلالها وتعلم بأنّ الأمر جدّ ، فلا فاعليّة لما تفعله من أسباب النشوز ، وللهجران في المضاجع مراتب أيضا ، ولا يتحقّق الهجران كذلك في ترك الكلام مع إقباله عليها بمقاديم بدنه ، فإنّ ترك الكلام قد يتحقّق لأجل الكسل والفكر