قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١١١] ، وقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٨٠] ، وغير ذلك ممّا هو من مظاهر تزكيتهم لأنفسهم ، فإنّ لها مصاديق كثيرة.
قوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)
إبطال لتزكية أنفسهم ، والآية الشريفة باسلوبها الجميل ولحنها الجذاب ردّ لهم ، وتبيّن أنّها عادة سيئة ، وترشد الناس إلى أنّ التزكية من شؤون الربوبيّة يختصّ بها من يكون عليما خبيرا وغنيّا ، فالإنسان الفقير المحتاج الذي لا يملك لنفسه شيئا مهما بلغ من الفضائل والكمال والشرف غير قابل لتزكية نفسه ، فهي كلّها نعم ربوبيّة فيضها على من يشاء من عباده ، فهو يزكي من عباده ، لعلمه بأحوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وسرائرهم ، وقد تعارض تزكيتهم لأنفسهم مع ما فيهم من الصفات وهم يعلمون ذلك ، والمزكي لنفسه لا بد من أن تطابق سريرته مع علانيته ، فالله تعالى يزكي من يشاء من عباده المؤمنين الصالحين الذين تأهّلوا لذلك ؛ لأنّه عزوجل العليم الخبير بالحقائق وخفايا الأمور قد زكى جلّ شأنه في القرآن الكريم أنبياءه العظام ورسله الكرام وبعض أوليائه بالصلاح والتقوى ، ومن أعظمها ما ورد في شأن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم ، الآية : ٤].
قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)
الفتيل الخيط الذي في شقّ النواة ، ويضرب به المثل في الشيء الحقير ، كما أنّ النقير هو الذي في ظهر النواة ، والقطمير هو قشرتها الرقيقة ، وقد وردت جميعها في القرآن الكريم أمثلة للقلّة والحقارة.
وقيل : الفتيل هو ما يفتل بين الأصابع من خيط أو وسخ فتدلكه بها.
والآية المباركة في موضع التعليل للآية السابقة ، أي : أنّ الله تعالى يزكي من يشاء لأنّه لا يضيع الحقوق ، بل يضعها في موضعها ، ولا يظلم أحدا فلا يسلبه