وفيه : أنّ كثرة الاستعمال لا تمنع من إرادة المعنى العامّ ، خصوصا بملاحظة عموم التعليل (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).
وعلى هذا ، يظهر فساد القول بأنّ الآية الكريمة نزلت لتحريم الخمر في حالة خاصّة وهي الصلاة ؛ لأنّ الخمر كانت من الأمور المتفشّية في المجتمع الجاهلي وفي عصر نزول القرآن ، وكانت ما تزال عالقة بقلوب بعض المؤمنين ، وفي مثل ذلك يحتاج إلى تدرّج طويل حتّى تمحى من النفوس.
ولكن ذلك تطويل بلا طائل تحته ، إذ كم كانت من العادات السيئة العالقة في النفوس المستحكمة فيها قد ورد النهي الصريح عنها بلا إمهال وتدرّج ، منها قضية الألوهيّة والأخلاق الفاسدة ونكاح الأمهات والربا ، إلى غير ذلك من العادات السيئة والصفات الذميمة ، والخمر أيضا كذلك ، إلا أن يكون الخمر مختلفا عن غيرها ، كما قاله بعضهم (من أنّ الخمر عادة نفسيّة وجسديّة واجتماعيّة) ، ولكن ذلك لا يكون سببا للفرق ، فإنّ الكذب وسائر الفواحش أيضا كذلك إذا شاعت في المجتمع ، وإنّما ورد النهي المكرّر عن الخمر بالخصوص ؛ لأنّها ام الخبائث والسبب في إشاعة الفحشاء ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٩] فراجع. وقد تكلّف بعض المفسّرين في تنظيم الآيات المباركة الواردة في الخمر وربط بعضها ببعض.
ومن ذلك يظهر بطلان ما ورد في شأن نزول هذه الآية الشريفة ، خصوصا الروايات المدسوسة المزيّفة ، وقد تكلّف مؤنة الردّ عليها شيخنا البلاغي قدس سرّه في تفسيره (آلاء الرحمن) ، فراجع.
ثم إنّ بعض المفسّرين ذهب إلى أنّ المراد بالصلاة في قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ، مواضع الصلاة. أما بحذف المضاف ، أو بارتكاب المجاز تسمية المحلّ باسم الحال ، لكثرة وقوعها في المساجد ، أو سمّي المسجد بذلك