وما ذكره مسلّم لا إشكال فيه ولم ينكره أحد ، إلا أنّ الكلام في مفاد الآية الشريفة بعد تقسيمها للمعاصي إلى الكبيرة والصغيرة.
الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) شروط التكفير للسيئات والوصول إلى الرضوان وما وعد به الرحمن.
فمنها : أن يكون ترك الكبائر عن قدرة وإرادة ، وهي متوقّفة على معرفة الكبائر والصغائر والتمييز بينهما ، فإنّ المكلّف إذا عرف أنّها حرمات الله تعالى عزم همّه على تركها ، بل قيل بوجوب معرفتها مقدّمة للاجتناب عنها ، بل التهاون فيها كبيرة أيضا يجب الاجتناب عنه ، وإن لم يكن يجب اتقاء جميع المعاصي مخافة الوقوع في الكبائر والابتلاء بارتكابها ، على ما هو مفصّل في الفقه.
ومنها : أن يكون النهي الشرعيّ منجزا ، وإلا فلا يجب الاجتناب كما في مورد الجهل بالموضوع وعدم بلوغ الحكم ونحو ذلك ممّا هو مفصّل في اصول الفقه ، راجع كتابنا (تهذيب الأصول).
ومنها : أن يكون الاجتناب عن المعاصي الكبيرة عن إعراض النفس وعزوفها عن ارتكابها.
وبعبارة اخرى : أن يكون الاجتناب عن أثر في النفس ، لما تدلّ عليه كلمة الاجتناب الواردة في الآية المباركة. وقال تعالى : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [سورة النازعات ، الآية : ٤٠ ـ ٤١].
الثالث : الآية الشريفة في مقام الامتنان على المؤمنين بأنّهم إذا اجتنبوا بعض المعاصي ، كفّر عنهم البعض الآخر.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) على الذنب ، وأنّ التخلية مقدّمة على التحلية ، وأنّها لا تتحقّق إلا بعد التكفير والتزكية.