بحث عرفاني
الآية المباركة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) على اختصارها واسلوبها الرائع الذي يجذب القلوب وتطمئن إليها النفوس ، تشمل على أمور مهمّة.
الأوّل : تتضمن النشأة الاخرويّة وإيكال الإيمان إلى عالم الغيب والشهادة ، الذي فيه فوائد جمّة ، منها : سوق العباد إلى ذلك العالم.
ومنها : جهدهم لدرك هذا المقام.
ومنها : انقطاعهم من الدنيا إلى عالم الغيب.
ومنها : عدم الاعتماد على النفس ، وعدم الاغترار بما يصدر من الإنسان ، فإنّ الدرجات متفاوتة لا يعلمها إلا الله تعالى.
الثاني : سريان التوحيد في المعبود والعبادة ، وبضميمة قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [سورة الحجرات ، الآية : ١٣] ، الذي هو بمنزلة الشارح لهذه الآية ، ينتج المطلوب ، إذ المراد أنّ الله أعلم بتقواكم ، فهو أعلم بإيمانكم ، والمراد بالإيمان هو التوحيد في العبادة والمعبود.
الثالث : تتضمّن الآية المباركة أيضا على النشأة الدنيويّة في قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ، فإنّه يبيّن حقيقة واقعيّة ، وهي أنّ أفراد النوع الواحد لا تفاوت بينها من حيث النوعيّة ولا تفاضل بحسب الحقيقة ، فالحرّ والعبد ، والأمة والحرّة متساوون في الحقيقة ، ففي الآية المباركة الحثّ على ملاحظة الوحدة الاجتماعيّة ونبذ جهات التفرقة والتنافر ، وهذا ما أكد عليه الإسلام في مواضع متفرّقة في القرآن ، ودلّت عليه السنّة الشريفة.
فالآية الشريفة تبيّن ارتباط العبد مع خالقه ، وتحدّد ارتباطه مع بني نوعه أيضا ، وتحثّهم بأسلوب لطيف على التعاون والتآلف والتعاضد ، بلا فرق بين