المضي ، فلا يختصّ بوقت معين ، بل هو حديث الماضي والحاضر والمستقبل ، أي الزمن كلّه إلى أن تظهر دولة الحقّ ويمحق الأعداء وكيدهم وخيانتهم ، فإنّ الصراع بين الحقّ والباطل مستمر من أوّل الخليقة حتّى تقوم دولة الحقّ ويمحق الباطل كلّه ، ولهذا كان التوكيد الشديد في القرآن الكريم على الأعداء وكيدهم.
والآية المباركة في مقام التشنيع عليهم والتشهير بشنائع أعمالهم ومفاسد أخلاقهم وإظهارها في سلك الأمور المشاهدة ، وهذا الأسلوب له الوقع الكبير في النفوس وتنشيطها واستلفاتها إلى ما يجري حولها من الحوادث ، ولهذا أتى الخطاب في صورة التعجّب والاستفهام الإنكاري.
قوله تعالى : (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ).
تعليل للتشنيع السابق عليهم ، وبيان لمناط التعجّب منهم ؛ لأنّهم يشترون الضلالة ويختارونها على الهدى ، ويبذلون بإزاء ذلك أغلى الأمور وهو التوحيد وأسباب السعادة والكمال والصلاح والهدي.
والضلال هو الخروج عن الطريق المستقيم أو المنهج القويم ، عمدا كان أو سهوا ، كثيرا كان أو قليلا ، وسيأتي توضيح ذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى ويضاده الهداية.
قوله تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ).
ترتّب هذا على السابق ترتّب المعلول على العلّة ، فإنّ من اشترى الضلالة وباع أعلى الأشياء وأغلاها وأعظمها بأخسّ الأشياء وهو الضلالة ، لأجل أنّهم على الضلالة ، وقد تمكّنت في نفوسهم وانهمكوا في الضلال والغي ، فهم يطلبونه للمؤمنين الذين هداهم الله تعالى للصراط المستقيم ، الذي أوضح الله اعلامه وأحكم حججه ، فقد جنّدوا أنفسهم لذلك وكتموا الحقّ الذي آتاهم الله تعالى وأظهروا النفاق وخدعوكم بإظهار النصيحة والمودة ، ولقوكم ببشر الوجه وزي الصلاح ، ولكن لا يريدون لكم إلا الفساد والخديعة والإضلال عن السبيل المستقيم الموصل إلى الحقّ.