وقد تتابع الذمّ على هذا الفعل الشنيع ؛ لبيان أنّه بلغ الغاية في القبح ؛ ولذا أفرد عزوجل هذا النكاح بالذكر عن غيره من الأفراد التي سيذكرها.
قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ).
بيان لأنواع المحرّمات النسبيّة في النكاح ، لحكمة متعالية وعلّة ثابتة واقعيّة.
وقد ذكر عزوجل أنواعا ثلاثة ، وهي : المحرّمات النسبيّة ، والمحرّمات بالمصاهرة ، والمحرّمات بالرضاع. ولكلّ نوع أصناف متعدّدة ، وهذه الآية الشريفة جمعت تلك الأصناف بأسلوب لطيف وبيان واضح.
والآية الكريمة تشتمل على المجاز العقلي ، فإنها نسبت الحرمة إلى الذوات كالأمهات والبنات وغيرهن ، والمراد بها حرمة نكاحهن ، الأعمّ من إيجاد علقة النكاح بالعقد المقصود به ذلك ، والوطء لمناسبة الحكم والموضوع ، فإنّها من القرائن التي يعتمد عليها المتعارف في المحاورات.
وللمقام نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [سورة المائدة ، الآية : ٣] ، فإن المراد حرمة الأكل ، وقال تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٦] ، أي : سكنى الأرض ونحو ذلك.
والخطاب وإن كان متوجّها إلى الرجال ، لكنّه يشمل النساء ، فيحرم عليهن آباؤهن وأبناؤهن وغير ذلك ؛ للملازمة بينهما ؛ ولأنّ الخطبة والطلب إنّما يكون من الرجال عادة دون النساء.
والعموم في الموضعين في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) انبساطي بالنسبة إلى الأفراد ، أي : كلّ فرد يحرم عليه نكاح امه وبنته وأخته.