التي تعلّقت بجميع الأشياء حتّى الظلم ـ المنزّه عنه ذاته الأقدس ـ فإنّ الذي يقدر على مضاعفة الحسنات وإيتاء الأجر العظيم ، لقادر على تنقيص ذلك ، ومنع الأجر عن صاحبه ، لكنه لا يفعل ذلك لحكمته المتعالية ، وهذا هو معنى العبارة المعروفة : «إنّ الله تعالى لا يظلم لحكمة ، لا لقدرة» ، أي : أنّ حكمته المتعالية تقتضي نفي وقوع الظلم عنه ، لا لعدم قدرته ، فإنّها تعلّقت بجميع الأشياء ، فهو قادر على الظلم لكنه لا يفعله لمنافاته الحكمة ، وسيأتي تتمة الكلام في البحث الكلامي إن شاء الله تعالى.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) على أنّ جميع الأشياء لها وزن معين معلوم ، فإنّ الذرّة التي هي متناهية في الصغر لها وزن معين معلوم عند الله تعالى ، وهو عزوجل لا يظلم زنة ذلك المقدار ، وقد أثبتت العلوم الطبيعيّة المعاصرة الوزن لجميع الأشياء حتّى الهواء ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النظرية قبل هذا بقرون كثيرة.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ، على أنّ الأجر لا بد أن يكون عن استحقاق وعلى موضوع قابل مستعد ، فإن ترتّب هذه الجملة على قوله تعالى : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ، يدلّ على أنّ موضوع استحقاق الأجر هو الحسنة التي يفعلها الإنسان ، فالله تعالى يضاعفها ، فتكون الحسنات المضاعفة هي موضوع الأجر العظيم ، ومن ذلك يستفاد أنّ هذا الترتّب من قبيل ترتّب المعلول على العلّة التامّة.
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) على المقام العظيم للشهداء في يوم القيامة ، وكمال هؤلاء الشهداء وعلو مقامهم وتنزيههم عن المآثم ، فإنّ الشهادة لا تكون إلا ممّن اجتمعت فيه شروط الشهادة ، التي منها الإحاطة العلميّة لجميع أفراد أممهم وخصوصيات أعمالهم ، ومنها عصمتهم ، وعدم صدور الذنب منهم ، فإنّ المذنب لا يكون شاهدا على مذنب