التفسير
قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ)
التمنّي : هو تعلّق النفس بأمر متعذّر أو كالمتعذّر ، أو تشهي حصول الأمر المرغوب فيه ، والأغلب تحقّقه في قول الإنسان : ليت كذا كان كذا ، أي : حديث النفس بما يكون وما لا يكون ، قال تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) [سورة القصص ، الآية : ٧٩] ، وقال تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [سورة النبأ ، الآية : ٤٠].
وقال بعضهم : إنّ التمنّي نوع من الإرادة تتعلّق بالمستقبل ضد التلهّف الذي نوع منها تتعلّق بالماضي.
وهو مردود ؛ لأنّ التمنّي أعمّ من ذلك.
وكيف كان ، فالمعروف أنّه من الإنشائيات.
والتمنّي مذموم شرعا ؛ لأنّ فيه تعلّق البال وانشغاله عن إصلاح الإنسان نفسه ، وأنّه يوجب نسيان الأجل ، وهو مبدأ الحسد الذي هو من أهمّ الصفات الذميمة ، قال كعب :
فلا يغرّنك ما منّت وما وعدت |
|
إن الأماني والأحلام تضليل |
بخلاف الغبطة ، التي هي عبارة عن إرادة ما لصاحبه مع عدم التمنّي ؛ لزواله عنه ، وهي داعية إلى العمل والاستكمال ، بخلاف التمنّي ، وتقدّم في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٩٤] ، بعض الكلام في أقسام التمنّي ، فراجع.
والآية الشريفة تبيّن قاعدة تكوينيّة لها ارتباط بالدنيا ـ قال تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ