قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)
تعليل لعدم غفران الشرك ، وإظهار اسم الجلالة لزيادة الرهبة وإدخال الروع في النفوس ، ولإظهار تقبيح الشرك وتفضيح عمل المشرك.
ومادة (فري) تدلّ على القطع ، والافتراء افتعال ، قال الراغب : الفري قطع الجلد للخز والإصلاح والإفراء القطع للإفساد ، والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر ، ولذلك استعمل في الكذب والشرك والظلم. وفي المجمع : فريت الأديم إذا قطّعته على وجه الإصلاح ، وأفريته إذا قطّعته على وجه الفساد.
وكيف كان ، فهو يطلق على الكذب المختلق ؛ لأنّه يوجب فساد الأقوال والأعمال ، وقد ذكر المصدر الذي هو الافتراء مع صفته اللازمة وهو الإثم و (عَظِيماً) صفة للمصدر وهو الافتراء أو الإثم.
والمعنى : ومن يشرك بالله تعالى الجامع لجميع صفات الكمال والمنزّه عن جميع صفات الجلال ، فقد ارتكب الإثم العظيم الذي يستحقر دونه الآثام ، فلا تتعلّق به المغفرة ، والوجه في ذلك أنّه يجعل الشريك الذي اجتمع فيه صفات المخلوقين من الحدوث ونقص الإمكان والاحتياج ونحو ذلك بمنزلة الآله ويختلق له الصفات الإلهيّة ، وما ذلك إلا افتراء وإثم والقائل به مرتكب لإثم عظيم لا يستحقّ معه المغفرة المعدّة لسائر الذنوب والمعاصي.
بحوث المقام
بحث دلالي :
تدلّ الآية الشريفة على عظم أمر الشرك وقبحه الشديد ، ويكفي في ذلك أنّه تعالى لا يغفر أن يشرك به ، ولعلّ ما ورد في قوله تعالى حكاية عن لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان ، الآية : ١٣] ، إشارة إلى هذه الجهة ، أيضا ، فإنّ الظلم الذي لا يغفر لصاحبه هو عظيم.