بحث قرآني
ليس بين الآيات المباركة التي تدلّ على شيء واحد أو تهدف أمرا معنويّا خاصّا أو تثبت حكما أو ما يتعلّق بعالم الدنيا أو الآخرة ، أيّ تناف وتضاد ، كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة.
وربّما يتوهّم التنافي بين هذه الآية الشريفة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، وبين قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) ، باعتبار أنّه عزوجل جعل السبب في التكفير عن السيئات الاجتناب عن الكبائر ، وأما الآية الكريمة التي تقدّم تفسيرها فإنّها تجعل الإعراض عن الشرك موجبا لغفران ما دون ذلك ، سواء كان كبيرة أم غيرها.
إلا أنّ التعمّق في الآيتين المباركتين يكشف أنّ آية اجتناب الكبائر تجعل من أسباب التكفير عن الخطايا والذنوب الصغائر ، اجتناب الكبائر ، وآية نفي الغفران عن الشرك تدلّ على أنّ الله تعالى يغفر ما دون الشرك ، ولم يبيّن عزوجل طرق الغفران وأسبابه ، فهي من هذه الجهة مجملة ترفع إجمالها الآيات الاخرى التي تبيّن أسباب الغفران ، كآية اجتناب الكبائر ، والآية التي تثبت الشفاعة لأهل الشفاعة ، والآية التي تدلّ على استغفار الملائكة لأهل الإيمان وأنّ الأعمال الصالحة تكفّر السيئات ، وغير ذلك ممّا ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فالله جلّ شأنه يغفر ما دون الشرك بأسبابه الخاصّة المعروفة ، وأما الشرك فلا تؤثّر تلك الأسباب فيه مطلقا. مضافا إلى أنّ الشرك من أكبر الكبائر ، وأنّ اجتنابه يوجب التكفير عن مطلق السيئات أيضا ، فعلى أي حال لا تنافي بين الآيات الشريفة.