وقد بيّن عزوجل في القرآن الكريم شروط التزكية الحقّة الحقيقيّة ، وخصّ بها أولياءه الكرام وأنبياءه العظام والمؤمنين المخلصين.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أنّ التزكية للنفس بغير حقّ ظلم للنفس وتضييع لحقوق الآخرين ، فإنّ كلّ تزكية إنّما تكون في سلب حقّ وتضييعه ، والله تعالى يعلم حقائق الأمور ، وأنّه لا يظلم حقّ أحد ويصله الى جزاء عمله.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) ، على أنّ التزكية التي كانت من حقوقه سبحانه وتعالى إذا انتحلها أحد غيره كان كاذبا على الله تعالى ، ويختصّ الكذب على الله تعالى أنّه افتراء محض يقطع الرابطة الموجودة بين الإله وعبده ، ويوجب البعد عنه عزوجل ، ويوجب استحقاق صاحبه العذاب العظيم وأشدّ العقوبات ، كما ذكره عزوجل في الآيات التالية ، ولهذا ترى أنّه عزوجل يصف الكذب عليه بأنّه افتراء.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) على أنّ الإيمان بالجبت والطاغوت يوجب طمس الفطرة التي تقضي باتباع الحقّ والحبّ لأهله ، وأما اتباعهما ، فهو يقضي تعظيم غير الله تعالى والإذعان له بالطاعة ، والقول بأنّ الكافرين أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، ولا يكون قولهم هذا إلا لأجل أنّهم أحبّوا طمس الحقّ وأيّدوا ستره ، فاتبعوا من اتّصف بذلك وعظّموه ، وليس ذلك إلا لسبب إيمانهم بالجبت والطاغوت ، فابتعدوا عن الحقّ وطمسوا نور فطرتهم ، فيكون قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) مبيّنا لبعض مظاهر إيمانهم بالجبت والطاغوت ، فاستحقّوا اللعنة والطرد عن مظاهر الرحمة الإلهيّة.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) على أنّ من استحقّ اللعنة بسبب سوء اعتقاده وأعماله لا تشمله الرحمة الإلهيّة ، فهو في عذاب