(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))
الآيتان الشريفتان من أهمّ الآيات القرآنيّة التي تبيّن دستور الحياة للمؤمنين على النهج الربانيّ الحكيم ، وترشدهم الى بعض الأمهات من الأعمال الصالحة التي يقوم بها نظام معاشهم ومعادهم ، كما أنّهما تتضمّنان أعظم الأحكام التي تقرّر مصير المجتمع الإسلامي وتهديهم الى نظام وثيق تتفق فيه العقيدة مع العمل ، وتنتظم به علاقات أفراد المجتمع بعضهم مع بعض ، وعلاقاتهم مع خالقهم مثل الأمر بحفظ الأمانة والحكم بالعدل ، اللذين هما أساس كلّ نظام قويم صالح.
والآية المباركة مع ايجازها البليغ تشتمل على التوجيه العقائدي للمؤمنين في تنظيم العقيدة مع الله تعالى ، وتهديهم الى إصلاح علاقات المجتمع الإسلامي وفق دستور متين ، يحفظ فيه كلّ العهود والمواثيق. كما تقرّر جانبا من المعاملات التي تستقيم بها الحياة الاجتماعيّة.
فهي توجيهات ترتبط فيها العقيدة مع العمل ارتباطا وثيقا ، فلم تهمل جانبا ، فكانت الإطاعة التي أمر الله تعالى المؤمنين بها هي مجمع تلك التوجيهات القويمة والعقيدة الصحيحة التي لها الأثر الكبير في إصلاح الفرد والمجتمع ، فإنّ إطاعة الله تعالى والرسول وأولي الأمر برزت في حفظ الأمانة ، بل هي الطريق الأمثل لتأديتها الى أهلها ، وسيأتي في الآيات التالية نماذج متعدّدة من التوجيهات التي تشرح هذه التعاليم وتطهّر النفوس من الخيانة والخبث والنفاق ، وتجلب لها السعادة وتصلح بها النظام.