فكلّ اكتساب كسب ، ولا عكس. وأكثر استعمال الاكتساب في القرآن الكريم في الإثم وما يكون ضررا على الإنسان ، قال تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) [سورة النور ، الآية : ١١] ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٨]. ولعلّ وجه تخصيص الاكتساب في الشّر والكسب في الخير ؛ لأنّ الاكتساب فيه أعمال ومشقّة حاصلة من تحمّل الجزاء العظيم الشديد ، أو لأنّ النفس تعمل بجميع قواها في تحصيل الشرّ.
وكيف كان ، فقد استعمل الاكتساب في الخير أيضا ، كما في الآية الشريفة ، إذ التمنّي فيها لا يكون إلا في الخير والفضل.
وذكر بعض المفسّرين تبعا لبعض أهل اللغة أنّ الكسب والاكتساب يختصّان بما يحصل للإنسان بعمل اختياري ، كالطلب ونحوه ، وهو صحيح بحسب الغالب ، وإلا فقد يطلق الكسب على ما ليس كذلك ، كما يقال في كسب الأخلاق بالمعاشرة والصفات ، وذكر الفقهاء أنّ الكسب ما يحصل للإنسان بالملك والجدّة والاختصاص ولو بالإرث الذي هو غير اختياري ، فلا يختصّان بالعمل الاختياري فقط ، بل يشمل ما إذا لم يكن كذلك ، كما إذا كان صاحب الفضل ذا مزية تكوينيّة كالجمال ، وحسن الصوت والذكوريّة والانوثيّة التي تخصّص لأصحابها سهما معينا ونصيبا مفروضا.
فالآية الشريفة بمنزلة التعليل للنهي عن التمنّي في صدرها ، أي : لا تتمنّوا ذلك ، فإنّ الفضل قد اكتسبه صاحبه إما تكوينا أو اختيارا ، فالنصيب الذي أعطاهم الله تعالى هو ممّا اكتسبوه ، وقد خصّه الله تعالى لكلّ واحد من الجنسين وفضّل به بعضهم على بعض ؛ لأنّه ممّا أحرزه خلقا وتكوينا أو بتجارة وعمل ، وإنّما ينال ذلك بالاكتساب فقط لا بالتمنّي الذي يدعو إلى الشرّ واختلال النظام ، كما عرفت.