قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).
بيان لقاعدة كلية في التمييز بين الطريق الصحيح والباطل في النكاح ، فإنّ النكاح الصحيح المشروع ما تحقّق فيه تحصين النفس عن الوقوع في ما يوجب سخط الله تعالى ، والتعفّف عن ابتغاء الحرام باستغناء كلّ واحد من الزوجين بالآخرين الاستمتاع المحرم ، وهذا القصد هو من أهمّ الطرق التي يوجب تهذيب داعية الفطرة وكبح جماحها ، لئلّا تذهب كلّ مذهب ، فيكون قصد التعفّف من أهمّ مقومات تكوين الاسرة الصالحة وتأسيس مجتمع قويم يتقوّم من أفراد مهذّبين صالحين ، فكلّ نكاح شرعي متحقّق في الخارج ، سواء كان بالعقد الدائم أو بملك اليمين أو بعقد انقطاع ، إنّما هو لأجل تحصين النفس والعفاف ، وهو يغاير السفاح الذي لا يكون إلا استجابة وقتية لداعي الشهوة واستيلائها على داعية العقل والعفّة.
وهذه الآية الشريفة على إيجازها قد اشتملت على مقوّمات التشريع الإلهي في هذا الموضوع المهمّ ، الذي اعتبره بعض علماء النفس السبب الوحيد في ما يجري في الاجتماع الإنساني وما يتخلّق به الأفراد من الصفات والعادات ، واعتبر أنّ للشهوة الفطريّة الأثر المهمّ في تكوين الإنسان نفسيّا وتربويّا وخلقيّا ، وهذا الرأي فيه من الإغراء والمبالغة ما لا يخفى ، وسوف ننقل هذا الرأي في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى ونذكر ما فيه من المناقشات.
وكيف كان ، فالآية المباركة من الآيات المعدودة التي تبيّن جميع مقوّمات التشريع ، من الحكم والحكمة والقصد والغاية ، فالنكاح المشروع هو ما قصد فيه تحصين النفس وبعث العفّة في النفوس التي أثارتها الشهوة العارمة ، وسدّ أبواب الفحشاء والسفاح الذي هو وليد حاجة وقتيّة غير مهذّبة غلبت على القوة العاقلة ، لأجل عدم تحصين النفس ، فهذا المناط إذا تحقّق في كلّ نكاح كان مشروعا في كلّ دين ـ الإسلام وغيره على حدّ سواء.