ورابعة : إلى العبادة التي هي وسيلة لتطهير النفس وتزكيتها ، نحو قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٣].
وقد تكون التزكية بالخلقة ، بأن يجعل بعض عباده طاهر الخلق عالما لا بالتعلم والممارسة ، كما في المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهمالسلام.
وتزكية الإنسان نفسه على قسمين :
الأول : التزكية بالفعل ، وهذه هي التزكية الحقيقيّة المحمودة في القرآن الكريم ، وقد حثّ عليها في مواضع كثيرة منه ، مثل قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [سورة الأعلى ، الآية : ١٤] ، وتقدّم أنّها لا تحصل إلا بإتيان الواجبات واجتناب المحرّمات والشرور والآثام والتوجّه إليه سبحانه وتعالى.
الثاني : التزكية بالقول والادعاء ، كتزكية العادل غيره إن كان مطابقا للواقع. وقد يكون تزكية الإنسان نفسه لنفسه ، وهذا قبيح عقلا وشرعا ، كما نهى الله تعالى عنه : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ، ولذا قيل : «مدح الإنسان نفسه من أقبح القبائح ؛ لأنّه يرجع إلى الغرور والجهل والاستكبار.
وعبارة : «لم تر» تستعمل في مقام التعجّب والإنكار مع الغير والتنبيه إلى شناعة الفعل وردائته ، وقد وردت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، لا سيما أحوال أهل الكتاب.
والمراد (بالذين) هم أهل الكتاب ممّن تقدّم ذكرهم ، خصوصا اليهود ، ولم يصفهم عزوجل بأهل الكتاب ، لأنّ من كان عالما بالله تعالى وبالكتاب ، لا ينبغي له أن يتّصف بالرذائل ، فإنّه بعيد عن الكتاب وتعاليمه.
وأما تزكيتهم لأنفسهم فقد حكى عزوجل عنهم في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم ، منها قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٨] ، وقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ