فتختصّ الآية الشريفة بالتصرّفات المعامليّة ، أي : لا يتصرّف بعضكم في أموال بعض بالمعاملات الباطلة.
والمال : من الميل ، والمراد به كلّ ما تميل إليه النفس ، سواء كان ملكا أم لا ، وسواء كان عينا خارجيّة أو منفعة أو انتفاعا ، وإنّما أضاف الأموال إلى الجميع لبيان أنّ كلّ ما يصدق عليه المال عند العرف هو مورد الحكم ، وأنّ ماليّة المال إنّما تكون بملاحظة رغبة الجميع ، فإنّه ممّا يقوم به نظام هذا العالم.
والباطل هو الذي لا واقع له ولا حقيقة ، وإن تخيّل الناس له واقعا يزعمهم ، فيكون المراد به في المقام هو كلّ ما لم يقرّره الشارع الذي هو رأس العقلاء ورئيسهم ، فينطبق على كلّ ما لم يكن فيه غرض عقلائي صحيح.
وإنّما عبّر عزوجل بالباطل ليشمل الحكم الوضعيّ والتكليفيّ إذا بنى المتعاملان ترتيب الأثر على المعاملة ، فالآية الشريفة تقرّر أهمّ قاعدة من القواعد النظاميّة العقلائيّة ، فكلّ نقل وانتقال ليس فيه غرض صحيح قرّره الشارع باطلان ، فتمشل جميع المعاملات المحرّمة ، سواء كانت الحرمة في أحد العوضين أو في كليهما ، كالخمر والخنزير والمغصوب ، أم أحد المتعاملين كبيع المجنون والسفيه ، أم في نفس النقل والانتقال ، كالربا والقمار ، والبيوع الغررية ، وبيع الحصاة والنواة ، أم كانت سفهيّة كبيع ما لا منفعة فيه.
والآية المباركة جامعة لجميع أبواب المعاملات المذكورة في الفقه الإسلامي وفروعها كثيرة مذكورة في الكتب الفقهيّة ، راجع كتابنا (مهذب الأحكام).
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).
التجارة إمّا مصدر اتّجر يتّجر فتشمل جميع العقود المعامليّة أو اسم للأعيان التي تقع عليها المعاملات الدائرة بين الناس ، وإلى ذلك يرجع ما ذكره الراغب : إن التجارة هي التصرّف في رأس المال طلبا للربح ، وقال : ليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ ، أي : المصدر.