وكيف كان ، فإنّ الآية الكريمة تأمر بالموعظة سواء بالقول أم بالفعل ، ثم الأمر بالقول الذي يؤثّر في النفس تأثيرا بليغا ، وقد فوّض الوعظ إلى الرسول الكريم والنصح لهم بكل ما يراه مؤثّرا في نفوسهم التي خبثت وفسدت ، فلا بد من إصلاحها لتصلح سائر القوى والأعضاء.
وفي الآية الشريفة شهادة من الله تعالى على قدرة رسوله صلىاللهعليهوآله في الكلام البليغ ، كيف وهو القائل : «أنا أفصح من نطق بالضاد» ، وهو سيد الفصحاء وإمام البلغاء ، وهو الرسول الكريم الذي علّمه الله تعالى ما لم يعلم ، ومن نزل في شأنه : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم ، الآية : ٤] ، فيكون لكلامه الأثر البليغ في النفوس ولم يكن في كلام غيره مطلقا هذا الأثر العظيم ، وإنّ على كلامه مسحة ربانيّة يقع في القلب ويصلح ما أفسده صاحبه ، وهو الترياق الأكبر والأكسير الأعظم ، وقد كان العرفاء والصلحاء المتألّهون يرجعون إلى كلامه صلىاللهعليهوآله ويحفظونه عند ما تتكّدر نفوسهم.
بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأول : يدلّ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) على أنّ السبب في بطلان إيمانهم هو إرادة التحاكم إلى الطاغوت ، فيؤخذ بعموم السبب ، وهو أنّ كلّ من يرغب في حكم الطاغوت فهو ليس مؤمنا ولو زعم ذلك ، وأنّ التحوّل من حكم الله تعالى ورسوله إلى حكم الطاغوت يوجب خروج الناس عن الإيمان.
والآية المباركة تثبت هذه الحقيقة لكلّ من يريد هذا التحوّل ويرضى بحكم الطاغوت ؛ لأنّ الإرادة القلبيّة تبعث الإنسان إلى الرضا وتدفعه إلى تنفيذ حكم الطاغوت. وإنّها تكشف عن عدم ثبات الإيمان في قلب المرتد ، فيكون