التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الفتح ، الآية : ٢٩] ، وتقدّم في الآيات السابقة ما يرتبط بالمقام.
والمعنى : أنّ الله تعالى لا يغفر الشرك بجميع مظاهره ؛ لأنّ الحكمة اقتضت خلق الإنسان على أساس الرحمة والعبوديّة ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦] ، والله تعالى شرّع الدين الحقّ لتزكية النفوس وتطهير الأرواح عمّا ينافي تلك الحكمة ، وإنّ الشرك على خلاف ذلك ، فإنّه آخر درجات الهبوط لعقول البشر ، وإنّه يفسد أخلاق الإنسان ويوجب السقوط في الشقاء والأخلاق الفاسدة.
قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)
أي : يغفر ما دون الشرك من المعاصي وإن عظمت ، فإنّها مهما عظمت فلا تصل إلى حدّ عظمة الشرك ، فإنّ له درجة بعيدة في القبح ، وما سواه دونه في الدرجة ، ولعلّه لهذا أشار إليه ب : (ذلِكَ) ، وتدلّ عليه كلمة (دُونَ).
والآية الشريفة تدلّ على غفرانه لمن يشاء ممّن له أهليّة لقبول الفيض الإلهي والغفران بسبب الأعمال الصالحة التي تؤهّل الإنسان للصلاح والسعادة ، فإنّ الله تعالى يغفر له برحمته الواسعة وحكمته المتعاليّة ، فكانت المشيئة مطابقة للحكمة المتعاليّة ، فإنّها تقتضي أن يكون الغفران للمذنب الذي له الأهليّة والاستعداد المكتسب بالأعمال الصالحة وغيرها ، وعدم الغفران للمشرك.
ويستفاد من وقوع المشيئة بعد الغفران امور :
الأول : أنّها وردت لدفع ما يتوهّم أنّ ذلك خرج عن قدرته المتعاليّة ، أو أنّ لأحد التأثير عليه عزوجل فيقهره على المغفرة قاهر ، ولعلّه لأجل ذلك وقعت المشيئة في كثير من الموارد من القرآن الكريم ، قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها