ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [سورة هود ، الآية : ١٠٨] ، فإنّ الخلود أمر ثابت ، وتعليقه على المشيئة لبيان أنّ ذلك غير خارج عن قدرته ، ولا يكون لأجل قهر قاهر عليه.
الثاني : أنّها تدلّ على أنّ المغفرة وعدمها لا تكونان جزافيّتين ، بل تكونان وفق حكمة متعالية وهو العزيز الحكيم ، فإنّها اقتضت أن لا يغفر للشرك الذي يوجب فساد الفطرة وصرف الإنسان عمّا اقتضته خلقته الأصليّة ، وهي العبوديّة للواحد القهّار ، كما بيّنه عزوجل في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات ، الآية : ٥٦].
الثالث : إنّما ذكر المشيئة لئلّا يغترّ الناس برحمته تعالى ، فيتركوا العمل اتكالا عليها ، وإلا لغى التشريع وبطل الأمر والنهي.
وقد اختلف العلماء والمفسّرون في المراد من الآية الشريفة ، حتّى جعلها بعضهم من المتشابهات التي لا يمكن فهم معناها ، والحقّ ما ذكرناه.
وإطلاق الآية المباركة يدلّ على غفران الذنوب غير الشرك مطلقا ، ولكن لا ينافي هذا أن يكون غفرانه لسائر المعاصي والذنوب دون الشرك بالطرق التي ذكرها عزوجل في غير موضع في القرآن الكريم ، مثل شفاعة من جعلت له الشفاعة ، كالأنبياء والملائكة والأولياء ، ومثل الأعمال الصالحة التي تكفّر الذنوب.
كما أنّ إطلاق الآية المباركة يدلّ على غفران الذنوب والمعاصي غير الشرك بحسب الحكمة المتعالية ، وإن لم يبادرها بالتوبة ، وأما مع التوبة فإنّه يغفر جميع الذنوب حتّى الشرك بحسب وعده العظيم ، قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) [سورة الزمر ، الآية : ٥٣ و ٥٤].