وفي هذه الآيات المباركة تبرز بوضوح نظرية الإسلام التربويّة التي تشتمل على العقيدة والعمل ، وتتضمّن دستور الإسلام الخالد في النظام الدنيويّ والاخروي ، وإنّما أدرج سبحانه وتعالى هاتين الآيتين على أهميتهما في ضمن الآيات ؛ لأنّها تضمّنت الحديث عن الكافرين ولا سيما اليهود ، ليقرّر مضمونها تقريرا متينا بأحسن وجه ويبيّن حقيقة الإيمان الصحيح عن الإيمان الادعائي الكاذب الذي يدّعيه أهل الكتاب ، ويرشد المؤمنين الى نبذ ما عليه الكافرون من رذائل الأخلاق ، والرجوع الى تعاليم القرآن الكريم.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)
بيان الهي يتضمّن دستورا ربانيّا لجميع أفراد الإنسان به ، ينتظم نظامهم الدنيويّ والاخرويّ. والخطاب عامّ يشمل جميع المؤمنين وغيرهم ؛ لأنّ مضمونه ممّا تحكم فطرة العقول بحسنه.
والأمانات : جمع الأمانة ، اسم مصدر سمّي به المفعول ، وأداء الأمانة : إرجاعها الى صاحبها.
والآية المباركة عامّة تشمل كلّ أمانة على الإطلاق ، سواء كانت خالقية أم خلقية ، ولكن المهمّ منها التي تتعلّق بها سائر الأمانات وتتنظم هي الأمانة المتعلّقة بحقوق الله تعالى ، وأهمّها عبادته عزوجل وحده بلا شريك ، والإيمان به وبرسله والتحاكم الى شريعته ، واتخاذ دينه منهجا في الحياة ، فإذا تمّ ذلك وأديت تلك الأمانة بحذافيرها ، انتظمت سائر الأمانات وأديت الى أهلها تلقائيا ؛ لأنّ بأداء الأمانة الكبرى يستشعر الإنسان بتقوى الله تعالى وتتحدّد مسئوليته اتجاه سائر الأمانات ، فيكون مسئولا عن أدائها ، ويكون مراعيا لحقوق الآخرين الذين أمرنا الله تعالى بمراعاة حقوقهم في الآيات السابقة ، وإلا خرج عن أداء الأمانة الكبرى.