قوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)
جملة مستأنفة تقرير لما سبق وإخبار بجريان عادة الله تعالى بوقوع الأمر لا محالة ، وأنّه سينفذ فيهم ما توعّد به ، وقد وقع ما توعد به بالنسبة إليهم من نزول اللعنة والسخط عليهم ووقوع العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة ، كما أخبر به عزوجل في مواضع متعدّدة في القرآن الكريم.
والمراد بالمفعول النفوذ ، وحكم الآية المباركة عامّ لا يختصّ بقوم دون قوم ، وإن كان أظهر مصاديقه ما تقدّم في صدر الآية المباركة.
بحوث المقام
بحث دلالي
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأول : يدلّ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) على أنّ الذين أوتوا الكتاب كانوا يستميلون المؤمنين إلى الضلال بوجوه كثيرة ، وهذا هو من شعب نفاقهم ، وقد بيّن عزوجل حقيقة الأمر للمؤمنين ، وأعلمهم بأنّ الذين أوتوا الكتاب على عداوة وبغضاء لهم ، فلا يغترّوا بمظاهرهم ، وقد أكّد عزوجل ذلك بالأمر بالنظر إليهم ، فلا يركنوا إلى ما يظهرونه لهم من العطف وحسن الكلام ، فإنّهم يبالغون في تحريف الكلام ، كما بيّن عزوجل شطرا منهما في الآية الشريفة.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) على عدم الاكتفاء بالمظاهر ، ولا بد من الرجوع إلى ما بيّنه عزوجل من حالات الذين أوتوا الكتاب ، فإنّه تعالى أعلم بما في الضمائر وما تحمله قلوبهم من العداوة والبغضاء ، فلا ينبغي التخطّي عن تعاليم القرآن في دفع كيد الأعداء ومكرهم والتصدّي لنفاقهم وضلالهم.