يفعل ويفهم أنّه يطلبه ، بخلاف الحيوان فإنّه يسعى حين تلحّ عليه الحاجة ومتى زالت هدأ وسكن ، ولا يدرك تلك الحاجة.
وأمّا الإنسان ، فهو يفهم ويرغب في السعي ولو كانت الحاجة في حين الفعل منتفية.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ من ذهب إلى وجود الإرادة في الحيوان ، أراد بها بعض مقدّماتها. ومن نفى عنها الإرادة إنّما نفى الإرادة الثابتة في الإنسان ، وبذلك يمكن أن يجمع بين الآراء والكلمات.
الرابع : المخلوقات التي لها التعقّل والإدراك الكامل ، فإنّها تفعل عن تعقّل كامل من دون شهوة وقتيّة كالملائكة ، فإنّ فيهم الإرادة الكاملة لما يريدون أن يفعلوه في عالمهم.
ومن ذلك كلّه يعلم أنّ الإنسان هو الفرد الكامل الذي اجتمعت فيه مقدّمات الإرادة ، فهو الحيوان الحسّاس المتحرّك بالإرادة ، ولكنّه قد يغفل عن الإرادة ، فلا يلتفت إليها حين توجّه نفسه إلى المراد ، بل يكون تمام توجّهها إلى نفس المراد فقط.
وإرادة الإنسان مسخّرة تحت إرادة الله تعالى القهّارة ، ولا استقلال لها بوجه من الوجوه ، ففي بعض القدسيات : «يا ابن آدم تريد وأريد ، وأتعبك في ما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد» ، وعن سيد العارفين عليّ عليهالسلام : «عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم» ، وهذا غير مورد الجبر الباطل ؛ لأنّ مورده نفي الإرادة ، والمقام من تخلّف المراد عن الإرادة.
حقيقة الإرادة :
عرفنا أنّ الإرادة من الأمور الوجدانيّة التي يعرفها كلّ فاعل مختار ، ومن له إدراك وشعور ، ولها مقدّمات ، وتسمّى مقدّمات الفعل أيضا ، وهي : الإدراك ، وتوجّه النفس ، والعزم ، وتصوّر الغاية ، والقدر والقضاء ، والإرادة هي الجزء الأخير من تلك المقدّمات.