إلى كون فاعله آثما بالإثم الظاهر ، ومعه كيف تتحقّق التزكية لأنفسهم منه ، ولا يمكن أن يكون زكيا عند الله تعالى.
ويستفاد منه أنّ التزكية للنفس من الإثم الواضح الذي يمنع الإنسان من نيل الخيرات والوصول إلى الكمالات ، فهي مع الشرك متساويان في منع نزول الرحمة والمغفرة ، كما عرفت في الآية الكريمة السابقة.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ)
تقدّم أنّ مثل هذا الخطاب ذو الأسلوب الرفيع يدلّ على التقريع والتوبيخ بأنّهم مع إتيانهم النصيب من الكتاب لا بد أن يكون كافيا في ردعهم عن القبائح والآثام ، وللتعريض بأحوالهم بأنّهم على خلاف الحقيقة ، فإنّهم مع ادعائهم إيتاء الكتاب لا يكونون كذلك ، إلا أنّهم أوتوا نصيبا باعتبار ما بقي من الكتاب الإلهي الذي أنزله عزوجل لتكميل النفوس وتهذيبها ، ولكنهم ضيعوه بالتحريف والتبديل ، وفي الآية الشريفة التأكيد للتعجيب السابق.
قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)
مادة «جبت» ، تدلّ على كلّ ما لا خير فيه ، وقد استعملها القرآن الكريم في كلّ ما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى لرجوعه إلى الضلال ، وفي حديث الدعاء : «اللهم العن الجوابيت والطواغيت ، وكلّ ندّ يدعى من دون الله» ، وسمّي بالجبت كلّ ضال مضلّ. والطاغوت مبالغة في الطغيان ، يطلق على كلّ متجاوز عن الحدّ في الطغيان والضلال ، مثل الأصنام والشيطان ، ورؤساء الشرك والعناد ، والجبت والطاغوت يشتركان في إطلاقهما على كلّ ما يكون سببا للخروج عن الحقّ والصراط المستقيم ، سواء كان صنما أو شيطانا أو إنسانا أو العصبية والأهواء الباطلة ، فلها وجود نوعيّ يشمل جميع الأفراد والمصاديق التي تكون ضالّة ومضلّة ، وقد ذكر العلماء والمفسّرون لهاتين الكلمتين معان متعدّدة ، والحقّ أنّها مصاديق لهما ، وإنّما تعرف من القرائن المحفوفة بالكلام.