الخذلان والبعد عن ساحة الرحمن دائما ، وكيف تشمل الرحمة من أبعده الله عن ساحته وطرده عن قربه إليه ، فلا ناصر له من الشفاعة وغيرها حتّى ينجيه من العذاب الذي استحقّه باختياره ويهديه الى الرشاد.
وإطلاق الآية المباركة يشمل عدم النصرة والخذلان في الدنيا والآخرة ، وإن كانت الاولى أهون بالنسبة الى الثانية ، وسواء كان الناصر هو تعالى بالأسباب أم غيره.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) على الذمّ والتشنيع عليهم بأنّ كونه ذوي نصيب من الكتاب لا بد أن يكون مانعا عن الإيمان بالجبت والطاغوت ، فيكون إيمانهم بهما مع الكتاب لهم أشنع وأفظع.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) غاية بخلهم وشدّة حرصهم على منع الناس من أدنى النفع وأحقره ، فالآية الشريفة تبيّن ما تقتضيه طباعهم لو حصل لهم ملك ن فهم بعيدون عن الملك المعنوي وليس لهم أي نصيب منه ، وإنّ الذي هو موجود في أيديهم إنّما هو الملك المادّي من المال والتجارة ، ولا ضير في ذلك بعد ما تكفّل عزوجل أرزاق عباده وما هو موجود في أيديهم ، ضرره عليهم أكثر من انتفاعهم منه ، فقد امتحنهم الله تعالى به وظهر سوء سرائرهم وأوجب ابتعاد الناس عنهم.
التاسع : ترتّب قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) على الآيات السابقة من قبيل ترتّب المعلول على العلّة ، فإن اتّصف بالبخل وشدّة الحرص وتزكية النفس بالادعاء الباطل وكتمان الحقّ وعدم الايمان به وعدم الإذعان للفضل والفضيلة ، يستتبع الحسد العظيم وتمنّي زوال كلّ فضل عن صاحبه ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً