قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً)
تعليل لما ورد من الوصايا والأحكام في ما سبق من الآيات ، فإنّ الإعراض عنها مع العلم بأنّها ممّا تنادي بها الفطرة ، ويحكم بحسنها العقول ، لا يكون إلا ممّن أعجبته نفسه ، فيكون مختالا مغرورا فخورا ، محبّا لذاته ، قد غفل عمّا أعد الله تعالى له من السعادة والكمال ، وغفل عن أنّه عبد مربوب ليس له من عند نفسه شيء إلا ما يمنحه الربّ العظيم من النعم ، وما يفيض عليه ما يوجب خروجه من حضيض النفس إلى أوج الكمال والسعادة.
والمختال : ذو الخيلاء ، وهو التائه المتبختر المسخر لخياله ، وهو أخسّ من المستكبر ، لأنّ المختال من تمكنت فى نفسه ملكة التكبّر ، وسببه الإعجاب بالنفس والجهل المركب ، ومنه الخيل لاختيالها وإعجابها بنفسها مرحا. والفخور كثير الفخر.
وهما ـ أي صفتا الاختيال وكثرة الفخر ـ ترجعان إلى أمر واحد وهو الكبر والاعجاب بالنفس ، الذي يكون منشأه الجهل المركّب ، وزعمه كماله وهما من رذائل الأخلاق ، بل يعدان أصلان من اصول المساوئ والرذائل ، لتعلّق قلب صاحبهما إلى غير الله تعالى ، واحتقار جميع الحقوق ، والغفلة عن عظمة الله عزوجل وكبريائه ، فلا يقوم بوظائف العبوديّة ، لأنّ الاختيال والمفاخرة يرجعان إلى حبّ الذات وصفاتها وعوارضها ، من المال والجاه وتعلّق القلب بهما ، ويستتبع ذلك جملة من الصفات الذميمة ، أهمّها البخل ؛ ولذا عقّب عزوجل هذه الآية الشريفة بالنهي عن البخل ، وذمّ الذين يبخلون ، ولا يختصّ البخل بالمال والجاه ، بل يعمّ كتمان الحقّ وكلّ جهة كماليّة كما ستعرف.
وقد ذمّ الله تعالى المختال الفخور ، وكفى بهما مقتا أن الله تعالى لا يحبّهما ، ومعنى عدم محبّته لهما ، تركه لهما وعدم تعرّضهما لتوفيقاته الخاصّة وبركاته ، وهو العذاب الأليم بالنسبة إلى أهله.