بينهما ، فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة التي قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ).
أقول : الروايات في ذلك مستفيضة دالّة على حرمة الرجوع في القضاء إلى حكام الجور.
وفي الكافي بإسناده عن أبي جنادة الحصين بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام ، عن أبيه عليهالسلام في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) قال : «فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب و (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)».
أقول : المراد من السبق بالاختيار ، أي : أنّهم باختيارهم اختاروا العذاب والشقاء ، ولذا عقّبه بالقول البليغ لعلّه يؤثّر في نفوسهم ويرجعوا عن غيّهم.
بحث فقهي
الترافع إلى قضاة الجور ومن لم يوجد فيه شرائط القضاء حرام بالأدلّة الأربعة ، فمن الكتاب آيات شريفة ، منها ما تقدّم ، ومنها قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٨] ، بتقريب أنّ حكام الجور لا اعتبار لحكمهم ؛ لأنّهم يتعاطون الرشوة ، وهذا الملاك لو وجد في حكّام العدل تسقط ولايتهم ، وغيرهما من الآيات المباركة.
ومن السنّة : روايات كثيرة تبلغ حدّ التواتر ، تدلّ على الحرمة وضعا وتكليفا ، وتقدّم بعضها.
ومن الإجماع : ما هو مسلّم بين جميع الفقهاء على حسب اختلاف آرائهم ، بل مذاهبهم.
ومن العقل : أنّه تأييد وتقرير للباطل ، وهو قبيح ، فإذا ترافع إليهم كان