تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) [سورة الجمعة ، الآية : ٢] ، وقال تعالى : (رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٥] ، فهم منكم لكن لهم مزيّة خاصّة أهّلتهم لتصدّي هذا المنصب ـ كما ستعرف ـ فلهذه الكلمة في المقام تأثير كبير في نفوس المؤمنين ، بأنّ من يتصدّى لهذا الأمر هو منهم يطمئنون إليه ويرتضون به حاكما عليهم.
وقال بعضهم : إنّ تقييد اولي الأمر بقوله : (مِنْكُمْ) يدلّ على أنّ اولي الأمر منهم إنسان عادي ، وهو من المؤمنين من غير مزيّة وعصمة إلهية.
وفساده واضح ظهر ممّا ذكرناه ، وسيأتي مزيد بيان لذلك.
وكيف كان ، فالآية الشريفة تدلّ على افتراض طاعة اولي الأمر ولم تقيّدها بقيد ولا شرط ، فتكون إطاعتهم كإطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله بمقتضى التشريك وذكر الطاعة لهما معا ، ومن المعلوم أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله لم يأمر بمعصية ولم يكن بوسعه أن يشتبه في حكم أو يغلط فيه ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، فلا بد أن يكون اولوا الأمر كذلك ، فلو جاز عليهم ذلك لكان لا بد من تقييد ذلك ، ولو في غير هذه الآية المباركة بأن يقال : أطيعوا اولي الأمر منكم في ما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا خطاهم ، وإلا فلا طاعة لهم عليكم في المعصية ، أو أنّه يجب عليكم أن تعلّموهم بخطئهم فقوّموهم بالردّ الى الكتاب والسنّة ، كما قيّد سبحانه وتعالى في إطاعة الوالدين في قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) [سورة العنكبوت ، الآية : ٨] ، فإذا لم يكن مثل هذا القيد في المقام ، فتكون طاعتهم مطلقة غير مشروطة بشيء ، ويلزم من ذلك اعتبار العصمة في اولي الأمر كما اعتبر في الرسول صلىاللهعليهوآله ، من غير فرق من هذه الجهة بينه وبينهم ، وإن أمكن الفرق من جهة اخرى ، وهي أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله له سلطة التشريع ، بخلاف اولي الأمر ، فإنّ لهم سلطة بيان الشرع والتطبيق وحفظ الشريعة. هذا ما يستفاد من ظاهر الآية الكريمة بانضمام ما ورد في تفسيرها من السنّة الشريفة.