للعمل بالشريعة ، فالإرادتان مختلفتان في المتعلّق ، وإن كان لهما الدخل في النظام الربوبيّ.
وإرادته عزوجل الذاتية منزّهة عن الزمان والزمانيّات ، وإنّما هي أفعاله المقدّسة في الممكنات.
قوله تعالى : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).
اتباع الشهوات هو الرضوخ إلى دواعي الشهوة وعدم الاعتناء إلى ما يحكم به العقل ، والاسترسال في الانقياد إلى الشهوات واتباع الهوى والتورّط في قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق والموبقات وسفاسف الأمور ، وهذا هو الميل العظيم المستلزم لهتك الحدود الإلهيّة والشريعة المقدّسة وارتكاب المحارم ، بل استباحتها ، ويترتّب عليه الخروج عن صراط الفطرة التي تدعو إليها جميع الشرائع الإلهيّة والعقل القويم ، فالشريعة الحقّة والحدود الإلهيّة إنّما هي لكبح جماع الشهوة والاستجابة إلى دواعي الفطرة المستقيمة ، وجعل الإنسان في الصراط المستقيم.
ولكن الذين اتبعوا الشهوات واستجابوا لدواعي الباطل والفساد ، يريدون أن يكون المؤمنون أمثالهم في الغواية والضلال وترك جادة الصواب ، رغبة منهم في الغي وتكثيرا لأمثالهم من الفساق والمبطلين ، فلا يكون من ينكر عليهم أو لتقليل النكير عليهم ، وعنادا للحقّ.
والآية المباركة تبيّن الصراع المرير بين الحقّ والباطل بكلّ مظاهره ويميّز الحقّ عن غيره ، ويدعو إلى الحقّ حتّى يصلوا إلى أرقى مراتب الكمال ، ويتفوّقوا على غيرهم ممّن يتبع السبل الباطلة والأهواء المضلّة.
والمستفاد من كلمة (الميل) أنّ هناك صراطا مستقيما ، وهو الذي يدعو إليه العقل وشريعة الحقّ وسبلا باطلة تحفّها الشهوات والأهواء المضلّة القبيحة ، واتباع الشهوات يوجب الميل عن الأوّل والدخول في سبل الباطل والغواية ،