وفيه : أنّه يلزم تخصيص الآية الشريفة بمن حضر عند النزول ، وهو خلاف ظاهر الآية الكريمة أيضا.
قوله تعالى : (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ).
مادة (كفر) تدلّ على الستر ، وكفّر الشيء إذا غطاه ، ويقال للفلاح : كافر ، لأنّه يكفر البذر ، أي : يستره ، قال تعالى : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٠] ، ومنه كفر النعمة والإحسان إذا غطّاها بترك الحمد والشكر عليها أو جحدها ، وفي الحديث : «رأيت أكثر أهل النّار النساء لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله؟ قال : لا ، ولكن يكفرن الإحسان ويكفرن العشير» ، أي : يجحدن إحسان أزواجهن ويسترنه ، ومنه سمّي الكافر أيضا ؛ لأنّه كفر بالصانع والمبدأ ، وكفّر الله عنه الذنب ، إذا ستره ومحاه عن العبد.
وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يزيد عن خمسمائة مورد ، أغلبها استعملت في مورد الكفر بالله والأنبياء واليوم الآخر.
ولكن ذكر التكفير عن السيئات في القرآن الكريم ورد في نحو ثلاثة عشر موردا متعديا بكلمة (عن).
والمستفاد من موارد استعماله في القرآن الكريم أنّ المراد منه العفو عن السيئات وحطّ وزرها عن المسيء ، والإحباط نقيضه التكفير ، وإنّما يتحقّق بفعل الطاعات وترك الكبائر ، فيكون تكفير السيئات حينئذ من الله جلّت عظمته محو الذنب وإسقاطه بالمرّة ، فلا يضرّ فعله بالعدالة إلا بالإصرار على الصغائر ، فيكون من الكبائر ، فلا يتحقّق حينئذ شرط التكفير وهو الاجتناب عن الكبائر ، وهذا من أحسن التدبيرات الإلهيّة في عباده ، حيث لا يبعدهم عن رحمته الواسعة بمجرّد ارتكاب المخالفة.
نعم ، الإصرار إنّما يتحقّق بعدم تخلّل التوبة بين ارتكاب صغيرة وصغيرة اخرى ، وإما مع تخللها ، فلا موضوع حينئذ للإصرار.