هو الشأن في الأمور الإضافيّة ، فإنّ كبر المعصية يدلّ على أهميّة النهي عنها وعظم المخالفة ، إذا قيس بالنسبة إلى النهي عن الآخر.
فهما وصفان للمعاصي والآثام والذنوب ، وفي المقام حذف الموصوف وأقيم الوصف مقامه ، وإن الصغر والكبر من المبينات العرفيّة ، وبهذا المعنى العرفي وقع في الكتاب والسنّة واصطلاح العلماء في علمي الفقه والأخلاق ، فالنظر إلى الأجنبيّة مثلا صغيرة إذا قيس إلى سائر الاستمتاعات بها ، والمخالفة في الثاني أعظم وأكبر من المخالفة في الأوّل ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ، فإنّ المستفاد منه اختلاف المناهي في العظمة والأهميّة ، ولا بد من استفادة الأهميّة من الشرع أيضا.
وقد ذكر العلماء (قدس الله اسرارهم) طرقا كثيرة ، وأهمّها ما ذكر في الفقه وهو : أنّ كلّ ذنب أوعد عليه بالنّار ، أو تعدّد الخطاب فيه ، والنهي عن الإصرار والتكرار.
وهذا هو المقياس في تحديد الكبائر في الإسلام ، وربّما تكشف النصوص بعض الكبائر وتنصّ عليها بأنّها كبيرة ، فتكون غيرها بالنسبة إليها صغيرة. وقد ذكر العلماء في تعريف الكبائر والصغائر وتمييز كلّ واحدة منها عن الاخرى وجوها ، سيأتي في البحث الأخلاقي ما يتعلّق بذلك.
وربّما يتوهّم أنّ الإضافة في قوله تعالى : (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) بيانيّة ، فتدلّ الآية الكريمة على اجتناب جميع المعاصي ، وتكون معنى الآية المباركة حينئذ : إن تجتنبوا المعاصي جميعا نكفّر عنكم سيئاتكم ، ولا سيئة مع اجتناب المعاصي ، فتكون من قبيل السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع.
ويردّ عليه أنّه خلاف ظاهر الآية الشريفة ، إلا أن يقال : إنّه يرجع إلى تكفير سيئات المؤمنين قبل نزول الآية المباركة.