وكيف كان ، فهو لا يتحقّق إلا بإجراء أحكام الشرع المبين لقصور العقول عن درك كثير من المصالح ، وقد ذكر جلّ شأنه في القرآن الكريم موارد كثيرة من تطبيقات العدل ، وفي السنّة الشريفة ما بيّنه بيانا واضحا شافيا ، ولا بد وأن يكون العدل ظاهرا في جميع خصوصيات الحكم من القول والفعل والخلق والحكم.
وإنّما ذكر عزوجل الحكم بالعدل بعد الأمر بأداء الأمانة لما ذكرناه آنفا ، ولأنّ الاحتياج الى الحكم بالعدل إنّما يكون بعد تخلّف أداء الأمانة وثبوت الخيانة في الناس ، فيستلزم الرجوع الى الحاكم الذي لا بد أن يكون أمينا في إجراء الحكم وبسط العدل بين الناس ، ولنا أن نقول : إنّ الرجوع الى الحكم بالعدل لا يكون في الامة التي يراعي أفرادها حقوق الآخرين ، وإنّما العدل هو مراعاة الأمانة وأداءها الى أهلها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)
جملة مستأنفة مقرّرة لمضمون ما قبلها ، وإنّما تصدّرت باسم الجلالة للترغيب والترهيب ، و (نعمّا) أصله (نعم ما) ، والجملة مركبة من المبتدأ ، وهو اسم (ان) ، والخبر وهو جملة (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ).
وهذه الجملة باسلوبها البديع وسياقها الجذّاب تدلّ على الأهميّة العظيمة البالغة التي أعطاها عزوجل لأداء الأمانة الى أهلها والحكم بين الناس بالعدل ، فإنّهما الخير العظيم ، ولذا كانت لائقة أن تجعل خبرا للفظ الجلالة ، كما تدلّ الجملة على مزيد اللطف بالمخاطبين وحسن استدعائهم الى الامتثال ، بعد ما نبّههم على أنّ ما ورد في الآية المباركة هو من الموعظة الحسنة والخير العظيم في الدارين.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)
أي : أنّ الله تعالى لا يخفى عليه جميع أقوالكم وأفعالكم ونيّاتكم ، وفيه وعد للمطيعين ووعيد للعاصين الذين خالفوا الأحكام الإلهيّة وخانوا الأمانة الربانيّة.