فوق كلّ سلطان ، حكيم في أفعاله لم يشرّع من الأحكام إلا بما يرشد الناس إلى سعادتهم ، وهو كبير في جلاله وكبريائه ، فإذا دعتكم قدرتكم على ظلمهن فتذكروا قدرة الله تعالى.
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما)
الخطاب لمن تعنيه شؤون الزوجيّة بحكم الروابط العائليّة ، أو لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس ، فإنّهم المكلّفون بتنفيذ الأحكام الإلهيّة عند ظهور المنافرة بين الزوجين وإخافتهم عاقبة ذلك.
والشقاق الخلاف والبينونة مأخوذ من الشقّ الذي هو نصف الشيء ، وفي الحديث «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة» أي : نصف تمرة. والمراد منه لا تستقلوا من الصدقة شيئا ولو يسيرا مثل نصف التمرة ، وقال تعالى : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [سورة النحل ، الآية : ٧] ، كأنه ذهب نصف أنفسكم حتّى بلغتموه ، فالمراد منه كمال المشقّة ، فكأن استمرار الخلاف بين الزوجين أوجب انشقاق الائتلاف بينهما إلى شقّين متباينين في العداوة والبغضاء ، وتقدّم في قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٧] اشتقاق الكلمة فراجع.
وإضافة الشقاق إلى (بين) إما لإجراء الظرف مجرى المفعول أو الفاعل.
وقيل : إن (بين) اجري مجرى الأسماء وازيل عنه الظرفيّة.
قوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)
الحكم ـ بالتحريك ـ هو من ينصّب للتحكيم ، والمراد بالبعث في المقام هو توجيه الحكمين إلى الزوجين لإصلاح ذات البين. وإنّما أمر عزوجل بنصب الحكمين ـ حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج ـ ليكونا أبعد من الجور والتعسّف.
وإنّما ذكر الأهل لأنّهم أقرب إلى الاطلاع على الخفايا ومناهج الصلاح ،