قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).
الأصل الثالث من الأصول الكلّية النظاميّة الثلاثة التي يقوم بها نظام الاجتماع الإنساني ، وهي : حفظ الأعراض ، وحفظ الأموال ، وحفظ الأنفس.
وظاهر الجملة أنّها تدلّ على النهي عن قتل النفس المحترمة ، سواء كان قتل نفسه أم قتل غيره ، كما نهى عن أكل الأموال بالباطل مطلقا ، سواء أكان مال نفسه كالإسراف وصرفه في المحرّمات ، أم مال غيره.
وإنّما عبّر عزوجل بذلك للدلالة على وحدة المجتمع ، وأن أنفسهم كنفس واحدة ، وزيادة في الزجر ، فإن من قتل غيره فقد قتل نفسه ، وبهذه العناية يشمل قتل الإنسان نفسه ، أي : الانتحار أيضا.
يضاف إلى ذلك أنّ النواهي والمحرّمات في نظام الإسلام قد لوحظ فيها ارتداع مجموع الامة وحفظ الأصول الثلاثة ، التي يجب حفظها بتكافلهم وتعاضدهم في ترك ما يوجب الإخلال بها.
ومن ذلك يعلم أنّه لا وجه لارتكاب الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلام واحد ، كما قاله بعض.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).
تعليل لما ورد في الآية الشريفة من الأحكام أي : أنّ الله تعالى إنّما شرّع لكم من الأحكام ما يصون به عرضكم ويحفظ به أموالكم وأنفسكم ، فنهاكم عن السفاح وأكل الأموال بالباطل وقتل الأنفس ظلما ، لأنّه رحيم بكم ، فأمركم بما يصلحكم ونهاكم عمّا يضرّكم.
ومن ذلك يظهر أنّه لا وجه لإرجاع هذا التعليل العامّ إلى خصوص بعض صغريات الحكم الأخير ، وهو الانتحار ، باعتبار أنّ قتل النفس بإلقائها في مخاطرة القتل والتسبيب إلى هلاك نفسه المؤدّي إلى قتلها ، فإنّ الآية الكريمة أوسع وأعمّ.