وقيل : إن الاستثناء منقطع جيء به لدفع الدخل ، فإنّه لما نهى عن أكل المال بالباطل. وهو نوع المعاملات الدائرة في المجتمع الجاهلي التي بها يتحقّق النقل والانتقال ، كالمعاملات الربويّة والمبنيّة على الغرر والجهالة ، والقمار وأضرابها فإنّها باطلة في الشرع ، فإنّه من الجائز أن يتوهّم متوهّم أنّ ذلك يوجب انهدام النظام وفيه هلاك الناس ، فالآية الكريمة في مقام رفع هذا التوهّم بأنّ المعاملة التي يحتفظ بها النظام ، هي المعاملة التي تكون تجارة عن تراض ، نظير قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء ، الآية : ٨٨ ـ ٨٩] ، فإنّه تبارك وتعالى لما نفى النفع عن المال والبنين يوم القيامة ، يمكن أن يتوهّم أن لا نجاح يومئذ ولا فلاح ، فإنّ معظم ما ينتفع به الإنسان إنّما هو المال والبنون ، فأجيب أنّ هناك أمرا آخر يكون فيه النفع وإن لم يكن من جنس المال والبنين ، وهو القلب السليم.
والحقّ أن يقال : إنّه يصحّ أن يكون الاستثناء متّصلا إذا كان الاستثناء عن عنوان الأكل ، وقد قلنا إنّ المراد منه مطلق التصرّف ، فيصير المعنى : لا تتصرّفوا في أموالكم إلا بالتجارة عن تراض بينكم ، فيجعل عنوان التجارة من طرق إحراز الرضا ، لا أن يكون فيها خصوصية بالخصوص ، فلا يصحّ التصرّف في الأموال مطلقا إلا بما احرز الرضا المقرّر شرعا.
كما يصحّ أن يكون الاستثناء منقطعا إذا لوحظ الأكل بعنوان القيد ، أي : القيد والمقيّد ، فيكون لا محالة التجارة عن تراض خارجا عن ذلك ، فيصير منقطعا.
ويمكن الجمع بين الأقوال بما ذكرنا فإنّه يصحّ باعتبار كلّ ذلك ، فالنتيجة واحدة حقيقة وإن كانت مختلفة سياقا ، ويصحّ تقطيع الكلام بما يناسب الافهام باعتبار القيد أو مع قطع النظر عن المقيّد.