وأجناب وجنوب. وهو من المجانبة ، أي : المباعدة ، كما عرفت في قوله تعالى : (وَالْجارِ الْجُنُبِ). والجنابة في الشرع تحصل بالجماع ، سواء خرج مني أم لا ، وبخروج المني سواء كان بالدخول أم بغيره ، ولها أحكام كثيرة مذكورة في الكتب الفقهيّة ، فراجع (مهذب الأحكام) ، وفي الحديث : «إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه جنب» ، ولعلّ المراد منه : من يترك الغسل ويكون أكثر أوقاته جنبا ، وهذا يدلّ على قلّة دينه ، والمراد من الملائكة غير الحفظة ، أي : ملائكة الرحمة والخير.
وتكرار النهي (وَلا جُنُباً) لبيان أنّ المنهي كلّ واحد من الحالين لا مجموعهما ، والنهي عن الصلاة في حال الجنابة مغيّى إلى الغسل ، أي : لا تقربوا الصلاة حتّى تغتسلوا ، إلا أن تكونوا مسافرين ولم تجدوا ماء في السفر فتيمّموا.
قوله تعالى : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ).
مادة (عبر) تدلّ على المرور والتجاوز من حال إلى حال ، يقال : عبرت الطريق إذا جاوزته وقطعته من جانب إلى جانب ، والمعبر ما يعبر به أو عليه من سفينة أو قنطرة ونحوها.
والسبيل : الطريق ، وعابر السبيل مار الطريق ، وقد يراد به المسافر ، والاستثناء من عموم أحوال المصلّين وانتصابه على الحال.
وقد اختلفوا في المراد من الآية الشريفة على أقوال :
الأول : أنّ المراد منها المسافر ، أي : لا تقربوا الصلاة جنبا في عامّة الأحوال حتّى تغتسلوا ، إلا إذا كنتم مسافرين وأصابتكم الجنابة ، فإن لم تجدوا ماء فتيمّموا ، ونسب هذا القول في المجمع إلى عليّ عليهالسلام وابن عباس ، وهذه النسبة لم نجدها في أحاديث الإماميّة إلا ما رواه في الدرّ المنثور عن علي عليهالسلام. ويضعف هذا القول ـ مضافا إلى أنّه يستلزم التكرار ، فإنّه تعالى بيّن حكم الجنب العادم للماء في آخر الآية المباركة ـ أنّ تخصيص الاستثناء بالسفر يحتاج إلى دليل وهو