قوله تعالى : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً)
قال الراغب : «الظل أعمّ من الفيء ، فإنّه يقال : ظل الليل وظل الجنّة ، ويقال لكلّ موضع لم تصل إليه الشمس : ظل ، ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه الشمس ، ويعبّر بالظل عن العزّة والمنعة وعن الرفاهة».
والظليل : صفة اشتقّت من الظل تؤكّد معناه ، أي : ظل الجنّة دائم لا حرّ فيه ، ولا تنسخه شمس كظلّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في هذه الدنيا ، قال تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ* وَماءٍ مَسْكُوبٍ* وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [سورة الواقعة ، الآية : ٣٠ ـ ٣٣].
ويمكن أن يكون المراد من الظلّ قرب الوصول إليه تعالى في الجنّة ، فإنّ المؤمن في هذه الدنيا وإن كان قريب الوصول إليه تعالى ، ولكنّه في عالم الجنّة أقرب ، فادخله في ظلاله وإن ظلّه جلّ شأنه عليه دائما لا ينفع.
كما يمكن أن يكون المراد من الظلّ خلع المؤمن الكثافات الجسمانيّة عن نفسه وتنزّهه عنها في ذلك العالم ، فكما أنّ الظلّ شيء ، ولكنّه مجرّد عن الكثافة كذلك المؤمن لتناسب المكين مع المكان ، وإنّ شرف المكان بالمكين ، فيدخل الله تعالى المؤمن الجنّة بعد تطهيره عن الكثافات الجسمانيّة ، كما دلّت عليه آيات شريفة وروايات كثيرة في وصف أهل الجنة يأتي التعرّض لهما إن شاء الله تعالى.
وقد عبّر عن المجرّدات بالظلّ في لسان الأئمة عليهمالسلام كثيرا ؛ للإشارة إلى أنّ المجرّدات قد يكون من الجواهر ، فإنّها شيء لا كالأشياء ، فعبّر عن عالم الذرّ بعالم الظلّ ، ففي حديث مفضل : «كيف كنتم حيث كنتم في الأظلّة ، قال : يا مفضل كنّا عند ربنّا في ظلّ خضراء» ، فهو كناية عن قدسية أرواحهم الشريفة ، وأنّها كانت من القرب المعنوي الى المبدأ الأعلى ، وفي حديث صفات الباري جلّ شأنه : «أزليّا صمديّا لا ظلّ يمسكه ، وهو يمسك الأشياء بأظلّتها».
وكيف كان ، فإنّ الآية المباركة تبيّن عظيم جزاء أهل الجنّة ، وتصوّره