(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
الآية الشريفة تشتمل على الوعد والوعيد معا ، وتتضمّن ما تؤكّد عليه الآية السابقة ، فإنّه بعد ما أمر سبحانه وتعالى الذين أوتوا الكتاب بالإيمان ودعاهم إلى الحقّ وأوعدهم السخط واللعنة إن هم أعرضوا عنه ، ذكر في هذه الآية المباركة السبب في الحكم المزبور ، وبيّن جلّ شأنه أنّ طريق النجاة منحصر في الإيمان والانصياع إلى الحقّ ، فإنّه لا غفران بدونه ، لا ما يتمنّاه أهل الكتاب.
وقد وعد عزوجل المؤمنين بالغفران ورفع الآثار المترتّبة على الماضي ، وأرشدهم إلى أنّ الكبائر السابقة لا تكون مانعة عن قبول إيمانهم. وفي الآية المباركة كمال الرأفة بهم والامتنان عليهم ، فكانت من أرجى الآيات في القرآن الكريم.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)
جملة مستأنفة مؤكّدة لمضمون ما ورد في الآية السابقة ، وهي في مقام التعليل للحكم المذكور فيها ، أي : إن لم تؤمنوا فإنّكم مشركون ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ويحلّ عليكم سخطه وغضبه ، وأما الإيمان ففيه الفوز بالمغفرة والنجاة ؛ ولهذا كانت الآية المباركة متضمّنة للوعد والوعيد معا.
وقد وردت مثل هذه الآية الشريفة في موضع آخر من هذه السورة أيضا ، قال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [سورة النساء ، الآية : ١١٦].
ولعلّ الاختلاف بينهما ـ بعد الاتفاق على أنّهما تدلان على جميع الآثار المترتّبة على الشرك الدنيويّة والاخرويّة إذا آمنوا ورجعوا إلى الحقّ ـ أنّ الآية