(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))
الآية الشريفة على إيجازها البليغ واسلوبها البديع تشتمل على الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والأمل والرجاء بالسعادة ، فهي تدلّ على وجوب الاجتناب عن المناهي ، التي يوجب ارتكابها الشقاوة والعذاب العظيم.
كما أنّها تدلّ على أنّ الارتداع عن الكبائر المنهيّة يوجب الدخول في النعيم الأبدي ، ويستلزم السعادة الحقيقيّة ، ولا يخفى ارتباطها بما قبلها من الآيات التي تضمّنت جملة من الأحكام الشرعيّة والمناهي الإلهيّة التي شرّعها الله تعالى لأجل مصالح الإنسان.
التفسير
قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ).
الاجتناب أبلغ من الترك ؛ لأنّه ملحوظ فيه النفور والاشمئزاز ، وهو مأخوذ من الجنب الذي هو الجارحة. وإنّما بني عنه الفعل على سبيل الاستعارة ، فإنّ الإنسان إذا أعرض عن شيء تركه جانبا ، والاجتناب هو الابتعاد عن الشيء وملازمة تركه ، وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في أربعة عشر موضعا كلّها تدلّ على أهمية المنهي عنه كالطاغوت ، قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [سورة النحل ، الآية : ٣٦].
والرجس ، قال تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) [سورة الحج ، الآية ٣٠].
وقول الزور ، قال تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [سورة الحجر ، الآية : ٣٠].